للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنَبَذَ إِنْ كانَ هو أَنْفَعَ. وَيُقَاتِلُهُمْ قَبْلَ نَبْذٍ إنْ خَانُوا.

وَصُولِحَ المُرتَدُّ بِلا مَالٍ، وَإنْ أُخِذَ لا يُرَدُّ. وَلا يُبَاعُ سِلاحٌ وَحَدِيدٌ وَخَيلٌ مِنْهُمْ، وَلَوْ بَعْدَ صُلْحٍ.

===

وحي فامض بما أُمِرْتَ بِهِ، وإن كان رأياً رأيته، فقد كنّا في الجاهلية لم يكن لنا ولا لهم دين، وكانوا لا يُطْعَمُون من ثمار المدينة إلاّ شراءً أو قِرَىً، فإذا أعزّنا الله وبعث فينا رسوله نعطيهم الدَّنيَّة لا نعطيهم إلاّ السيف. فقال عليه الصلاة والسلام: «إني رأيت العرب رَمَتْكُم عن قوسٍ واحدٍ فأحببت أن أصرفهم عنكم، فإن أبيتم ذلك فأنتم وذاك» (١) .

(وَنَبَذَ) أي طرح الإمام أو نائبه صلحهم (إِنْ كانَ هو) أي النبذ (أَنْفَعَ) لأنّ المصلحة لمّا تبدّلت كان النبذ جهاداً صورةً ومعنىً، وتركه تَرْك الجهاد صورةً ومعنىً. ثم لا بدّ من إعلامهم بالنبذ لقوله تعالى: {وَإِمّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ} (٢) أي على سواءٍ منكم ومنهم في العلم بذلك، وتحرّزاً عن الغدر، لقوله عليه الصلاة والسلام: «لكلّ غادرٍ لواء يوم القيامة يُعْرَف به». رواه أحمد والشيخان.

(وَيُقَاتِلُهُمْ قَبْلَ نَبْذٍ إنْ خَانُوا) لأن النبذ لنقض العهد، وقد انتقض. وتوضيحه أنه يقاتلهم بلا نبذ إن خان مَلِكُهم أو أحدٌ منهم بعلمه، لأنه عليه الصلاة والسلام غزا قريشاً بلا إنذارٍ إليهم لمّا نقضوا العهد الذي جُعِل بينه وبينهم في عام الحديبية.

(وَصُولِحَ المُرْتَدُّ بِلَا مَالٍ) وكذا الباغي، لأن الإسلام من المرتدّ مرجوٌّ، وكذا الرجوع إلى الحقّ من الباغي، فجاز (٣) تأخير القتال عنهم طمعاً فيه إذا كان في التأخير مصلحةٌ للمسلمين كما في أهل الحرب، وإ نما لا يؤخذ منهم مالٌ، لأن أخذه يشبه أخذ الجزية من جهة أنّ كلاًّ منهما في مقابلة ترك القتال، وهم لا يُقْبَل منهم الجزية فكذا هذا. (وَإِنْ أُخِذَ) المال من المرتدّ على الصلح (لَا يُرَدُّ) عليه، لأنّ أموالهم غير معصومة فجاز أخذها ابتداء بغير رضاهم، ولأنّ في الرَّدِّ عليهم معونةً لهم.

(وَلَا يُبَاعُ سِلَاحٌ وَحَدِيدٌ وَخَيْلٌ مِنْهُمْ) لما روى الطَّبراني في «معجمه»، والبَيْهَقِي في «سننه» عن عِمْران بن حُصَيْن أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة. ولأنّ فيه تقوية لهم على الحرب (وَلَوْ) كان البيع (بَعْدَ صُلْحٍ) لأنّ


(١) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" ٦/ ٢٨، رقم (٥٤٠) بلفظ قريب، وقال الهيثمى في "مجمع الزوائد" ٦/ ١٣٣: ورجال البزار والطبراني فيها محمد بن عمرو، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات.
(٢) سورة الأنفال، الآية: (٥٨).
(٣) في المطبوع: فجاء، والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>