للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُصالِحُهُمْ إِنْ كَانَ خَيرًا، وَبِمَالٍ عِنْدَ الحَاجَةِ

===

المسافر. رواه ابن أبي شَيْبَة والواقدي، ولأنه إعانة على البِرّ، وجهاد بالمال وكلاهما منصوصان.

وأحوال الناس في الجهاد تتفاوت، فمنهم من يقدر (عليه) (١) بالنفس والمال لقدرته عليهما، ومنهم من يقدر عليه بالنفس بُقوَّتِهِ دون المال لفقده، ومنهم من يقدر عليه بماله دون النفس لعجزه. فيجهّزُ الغنيُّ بماله الفقيرَ القادر، حتّى يكون الخارج مجاهداً بنفسه، والقاعد بماله. والمؤمنون كالبنيان يَشُدُّ بعضهم بعضاً.

(وَيُصَالِحُهُمْ) بلا مالٍ على مدّة يراها (إِنْ كَانَ) الصُّلْح (خَيْراً) للمسلمين لقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (٢) وقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على أن يضعوا الحرب عشر سنين كما روى ذلك أبو داود. وكان في ذلك نظرٌ للمسلمين، لأنه كان بين (أهل) (٣) مكة وبين أهل حُنَين مواطأةٌ، أي موافقة، وفي نسخة: مُؤَاخاةٌ.

(وَ) يصالحهم (بِمَالٍ) يؤخذ (منهم) (٤) للمسلمين (عِنْدَ الحَاجَةِ) لأنه لمّا جازت المصالحة بغير مالٍ، فبالمال أولى. وقيّد بالحاجة، لأنه لو لم يكن لهم حاجة لا يجوز، لأنه ترك الجهاد صورةً ومعنىً، ولقوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَونَ} (٥) . ثم المأخوذ من المال يُصْرَف مصارف الجزية، إذا لم ينزل المسلمون بساحتهم بل أرسلوا رسولاً، لأنه مأخوذٌ بقوة المسلمين كالجزية، وأمّا إذا نزلوا بدار الحرب وأحاطوا بهم ثم صالحوهم على مال، فهو غنيمة يخمِّسها الإمام ويَقْسِم الباقي بينهم لكونه مأخوذاً بالقهر.

ولو حاصر العدوّ المسلمين، وطلبوا الصلح بمالٍ يأخذونه من المسلمين، لا يفعل ذلك (الإمام) (٦) ، لما فيه من إعطاء الدَّنيّة وإلحاق المذلة بالمسلمين، إلاّ إذا خاف الهلاك، لأن رفع الهلاك بأي طريق أمكن واجبٌ.

وقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب أن يصرف الكفّار عن المسلمين بثلث ثمار المدينة كلَّ سنة. فقال سعد بن مُعَاذ، وسعد بن عَبَادة: يا رسول الله، إنْ كان هذا عن


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٢) سورة الأنفال، الآية: (٦١).
(٣) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٥) سورة محمد، الآية: (٣٥).
(٦) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>