للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَتَلَ الأَسْرَى، أوِ اسْتَرَقَّهُمْ، أوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لنا.

وَنُفِيَ مِنْهُمْ

===

(وَقَتَلَ الأَسْرَى) إذا لم يسلموا سواء كانوا من مشركي العرب، أو من المرتدين، أو من غيرهم (أوِ اسْتَرَقَّهُمْ أوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَاراً (ذِمَّةً) (١) لنا) أي مضروباً عليهم الجزية إذا كانوا من غير مشركي العرب وغير المرتدين. أمّا القتل فلأَنَّة لحسم مادة فسادهم، ولأنه صلى الله عليه وسلم قتل أُسارى بني قُرَيْظَةَ، وكانوا ما بين الثمان مئة والتسع مئة. وأمّا الاسترقاق أو تركهم أحراراً ذمة لنا، فلأن في ذلك منفعةً للمسلمين مع دفع شرّهم، ولما فعل عمر بأهل سواد العراق. قيّدنا بعدم إسلامهم، لأن الإمام ليس له فيمن أسلم منهم إلا الاسترقاق، لأن قتل الأسير أو وضع الجزية عليه بعد إسلامه لا يجوز. وقيّدنا استرقاقهم أو تركهم أحراراً بغير المشركين وغير المرتدّين، لأن هاتين الفرقتين ليس فيهم إذا لم يسلموا إلاّ القتل.

روى الشيخان عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه مِغْفَرٌ (٢) ، فلمّا نزعه جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله ابن خَطَلٍ متعلِّقٌ بأستار الكعبة. فقال: «اقتلوه». وروى أصحاب «السنن الأربعة» أنّ عطِيَّة القُرَظِيّ قال: كنت فيمن أُخِذَ من سبي قُرَيْظَة، فكانوا يقتلون من ثبت، ويتركون من لم يثبت، فكنت فيمن تُرِكَ. وروى البيهقي في «دلائل النبوة» عن جابر قال: رُمِيَ سعد بن مُعَاذ يوم الأحزاب فقطعوا أَكْحَلَه، فحسمه (٣) رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار، فانتفخت يده (فتركه) (٤) فنزفه الدَّم فحسمه أخرى فانتفخت. فلمّا رأى سعدٌ ذلك قال: اللَّهم لا تُخرج نفسي حتى تقرّ عيني من بني قُرَيْظَة. فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد بن مُعَاذ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم أن يُقْتَلَ رجالهم، وتُسْبَى نساؤهم، وذراريهم يستعين بهم المسلمون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: «لقد أصبت حكم الله فيهم». وكانوا أربع مئة، فلمّا فرغ من قتلهم انفتق (٥) عرقه فمات. والأَكْحَل: عِرْق في اليد، وهو عرق الحياة.

(وَنُفِيَ) بضم النون وكسر الفاء أي مُنِعَ (مَنُّهُمْ) بفتح الميم وتشديد النون أي


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط.
(٢) المِغفَرُ: زرد ينسج من الدُّروع على قدر الرأْس يُلْبَسُ تحت القَلَنْسوة. المعجم الوسيط ص ٦٥٦، مادة (غفر).
(٣) حَسَمَ العِرْق: قطعه وكواه لئلا يسيل دمه. المعجم الوسيط ص ١٧٣، مادة (حسم).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٥) انفتق: انشقَّ. المعجم الوسيط ص ٦٧٢، مادة (فتق).

<<  <  ج: ص:  >  >>