للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِدَاؤُهُمْ وَرَدُّهُمْ إِلَى دَارِهِمْ،

===

تركهم من غير أن يُؤْخَذَ شيءٌ منهم. وقال الشافعي: يجوز لقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمّا فِدَاءً} (١)، ولما روى البخاري في «صحيحه» أنّ عمر بن الخطَّاب أصاب جاريتين من سَبْي حُنَيْن، فوضعهما في بعض بيوت مكة. قال: فمنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبي حُنَيْنٍ، فجعلوا يسعون في السكك، قال عمر: يا عبد الله انظر ما هذا؟ فقال: مَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّبْي. قال: اذهب فأرسل الجاريتين.

ولنا: قوله تعالى في سورة براءة: {فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} (٢) وهي آخر سورة نزلت، فكان ناسخاً لآية المنّ والفِدَاء، ولما وقع في غزوة حُنَيْن لتقدّمهما.

(وَ) مُنِعَ (فِدَاؤُهُمْ) بمالٍ أو بأَسيرٍ مسلمٍ، لأنهم يعودون حرباً على المسلمين، ودفع شرّ حِرَابتِهم خيرٌ من استنفاذ الأسير المسلم من يدهم. (وَ) مُنِعَ (رَدُّهُمْ إِلَى دَارِهِمْ) لأنّ فيه تقويتهم على المسلمين. وقال أبو يوسف ومحمد: يُفَادى بهم أُرسارى المسلمين. وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز المفاداة بنسائهم. وقال أحمد أيضاً: لا يجوز المفاداة بصبيانهم. وعن أبي حنيفة: أنه لا بأس بأن يُفَادى بهم أُسارى المسلمين، لأن تخليص المسلم من أيديهم واجبٌ ولا يُتَوَصَّلُ إليه إلاّ به.

وفي «السير الكبير»: إنّ هذا قولهما، وأظهر الروايتين عن أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: يجوز المفاداة بأُسارى المسلمين قبل القسمة لا بعدها، لأن الثابت بعد القسمة حقيقة الملك، فلا يجوز إبطاله بدون رضى مالكه بعوض كسائر المعاوضات. وأمّا المفاداة بمالٍ فلا يجوز في المشهور من المذهب، لقوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} (٣) الآية، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «لو نزل بنا عذابٌ لَمَا نجى إِلاّ عمر» (٤). وذلك لأنه أشار بقتلهم. وفي «السير الكبير»: ولا بأس به إذا كان بالمسلمين حاجة استدلالاً بأُسارى بدر.

وللإمام فداءُ أُسارانا بهم في الأظهر من الروايتين عن أبي حنيفة، وبه قالا لما روى مسلم من حديث سَلَمَة بن الأَكْوَع قال: خرجنا مع أبي بكر ـ أمَّره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فغزونا فَزَارة، فلمّا كان بيننا وبين الماء ساعة أمرنا أبو بكر فَعَرَّسْنَا (٥)، ثم شنّ الغارة أي صبَّها عليهم من كل وجهٍ، فورد الماء، فقتل من قتل عليه


(١) سورة محمد، الآية: (٤).
(٢) سورة التوبة - براءة -، الآية: (٥).
(٣) سورة الأنفال، الآية: (٦٨).
(٤) لم نجده في الكتب المتوفرة لدينا.
(٥) أَعرس المسافرون: نزلوا آخر الليل للرّاحة. المعجم الوسيط ص ٥٩٢، مادة (عرس).

<<  <  ج: ص:  >  >>