للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ بِالتَّبَرِّي عَنْ كُلِّ دِينٍ سِوَى الإِسْلامِ، أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إِلَيهِ. وَقَتْلُهُ قَبْلَ العَرْضِ تَرْكُ نَدْبٍ بِلا ضَمَانٍ.

وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ مَالِهِ مَوْقُوفًا،

===

يستتاب، وبه قال أكثر أهل العلم لإطلاق قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (١) وقال مالك وأحمد والليث: لا يستتاب مَنْ تكرّر منه ذلك، كالزنديق لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكِنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} (٢) .

ولنا في الزنديق روايتان: في روايةٍ: لا تقبل توبته كقول مالك، وفي روايةٍ تقبل كقول الشافعيّ، والخلاف في حقّ أحكام الدنيا، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فتقبل بلا خلافٍ لقوله تعالى في حقّ المنافقين: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} (٣) إلى قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ} (٤) ، والآية التي استدلّوا بها إنما هي في حقّ من ازداد كفراً، لا في حقّ من آمن وأظهر التوبة. وعن أبي يوسف: أنه إذا تكرّر منه الارتداد يقتل من غير عرض الإسلام، لأنه مستخفٌّ بالدّين.

(وَهِيَ) أي توبة المرتدّ (بِالتَّبَرِّي عَنْ كُلِّ دِينٍ سَوَى الإِسْلَامِ، أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إِلَيْهِ) لحصول المقصود به، وهذا بعد إتيانه بكلمة الشهادة كما في «الإيضاح». (وَقَتْلُهُ) مبتدأ أي قتل المرتدّ (قَبْلَ العَرْضِ) أي عرض الإسلام عليه (تَرْكُ نَدْبٍ بِلَا ضَمَانٍ) لأن العرض مندوبٌ إِليه، ومَنْ يقول بأنه واجبٌ، فعنده أن قتله قبل العرض حرامٌ، لأنه تَرْك واجب. وأمّا انتفاء الضمان عند الكلّ، فلأن الكفر مبيحٌ لقتله، والعرض ندبٌ أو واجبٌ رجاء رجوعه.

(وَيَزُولُ مِلْكُهُ) أي ملك المرتدّ (عَنْ مَالِهِ) زوالاً (مَوْقُوفاً) على تبيُّن حاله، وبه قال مالك، والشّافعيّ في أصحّ قوليْه، وأحمد في روايةٍ. وقال أبو يوسف ومحمد: لا يزول، وبه قال الشافعي في قولٍ، واختاره المُزَنِيّ، وهو ظاهر الرواية عن أحمد. قال ابن المُنْذِر: وهو قول أكثر أهل العلم، لأن أثر الرِّدَّة في إِباحة دمه، لا في زوال ملكه كالمَقْضِيِّ عليه بالرَّجْم والقَوَد.

ولأبي حنيفة: أن المرتدّ قد زالت عصمة نفسه بالرِّدَّة، لأنه يصير حربياً حتّى


(١) سورة التوبة، الآية: (٥).
(٢) سورة النساء، الآية: (١٣٧).
(٣) سورة البقرة، الآية: (١٦٠).
(٤) سورة النساء، الآية: (١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>