للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن كلِّ حَدَثٍ غيرَ النومِ والرِّيح، بنحوِ حَجرٍ حتى يُنقِيَه: سُنَّةٌ.

===

(مِنْ كلِّ حَدَثٍ) أي لأجلِ خارجٍ من أحَدِ السبيلين كالبولِ والغائطِ وما يكون له جِرْم (غيرَ النومِ والرِّيح) أي ونحوِهما من الفَصْدِ، والإِغماءِ، والجنونِ، والسُّكرِ، مما ليس له جِرْمٌ خارجٌ من أحَدِهما كالريح، أو ليس مما خَرَج من أحدِ السبيلين كالباقي، فإنَّ الاستنجاء منها بدْعة، فالاستثناءُ منقطِع.

وفي «شرح الوقاية» فإنْ قلتَ: إنْ قُيِّدَ الحدَثُ بالخارج من أحدِ السبيلين فاستثناءُ النوم مستدرَك، وإنْ لم يُقيَّد به فيُسنُّ الاستنجاءُ في الفَصْد ونحوِه. قلتُ: يُقيَّدُ بالخارج من أحدِ السبيلين، واستثناءُ النوم غيرُ مستدرَك، لأنه إنما يَنقُضُ لأنَّ فيه مظنَّةَ الخروج من السبيلين. انتهى.

وحاصلُهُ: أنَّ الاستثناءَ متَّصِل، ونُزِّلَ مَظِنَّةُ الخروجِ مقامَ تحقُّقِه. وإنهما إذا لم يُسنَّ الاستنجاءُ فيهما فبالأَولى غيرُهما. ولا يَخفى أنَّ ذِكر الريح مُغنٍ عن النوم، لأنه مع تحقُّقِ خروجِه من السبيلين إذا لم يكن داخلاً في الحكم فما يكون في مقام المظِنَّة أَولى، ففي الجملة ذِكرُ النومِ مستدرَك، إلا أنه قد تسامح بتقديمه، فالأظهر والأخصر أن يقال: مِنْ بولٍ أو غائط.

(بنحوِ حَجَرٍ) كخِرقةٍ ومَدَر (حتى يُنقيَه) من الإِنقاءِ أو التنقية، أي يُنظِّفَه ويُجفِّفه. والإِسنادُ حقيقي أو مجازي (سُنَّةٌ) أي إذا كان أقلَّ من قَدْرِ الدرهم (١) .

لِما روى البيهقي وقال: إنه أصحُّ ما في الباب وأعلاه ـ أي سنداً ـ عن مولى عُمَر قال: كان عُمَر إذا بال قال: ناوِلْني شيئاً أستنجي به، فأناوله العُودَ أو الحجَر، أو يأتي حائطاً يَتَمَسَّحُ به، أو يَمسُّ الأرضَ، (ولم يكن يَغسله) (٢) . والمرادُ بالحائط الجدارُ، وهو محمولٌ على جدارِ نفسه، إذ لا يجوز المسحُ بجدارِ غيرِه كالوقفِ ونحوه (٣) .

ولا يُشترطُ التثليثُ عندنا. كما أشار إليه بقوله: حتى يُنقيَه، فإنَّه يَحتمل الزيادةَ والنقصان، وكذا الشفعُ والوتر.

وقال مالك والشافعي وأحمد: يجبُ الاستنجاءُ بالماءِ أو بثلاثةِ أحجار، لِما روى


(١) بل ولو كان قدر الدرهم، نعم تكون إزالته حيئنذٍ آكد في السنية كما في دارد المحتار" ١/ ٢١٠ - ٢١١، و ٢٦٦. أفاده الشيخ عبد الفتاح رحمه الله تعالى.
(٢) ما بين الحاصرتين زيادة من السُّنن الكبرى "للبيهقي" ١/ ١١١ ومولى عمر اسمه: يَسَار بن نُمَيْر. كما جاء في سنن البيهقي.
(٣) إلا أن يكون مستأجرًا لهذا، فجائز ولو كان وقفًا. انظر "رد المحتار" ١/ ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>