للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الحرّ بالعبد، ولأنّ القصاص يعتمد المساواة ولا مساواة بينهما، إذ الحر مالك، والعبد مملوك، والمالكية أمارة القدرة، والمملوكية أمارة العجز.

ولنا: عموم قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (١) وما أخرجه أصحاب الكتب الستة عن مَسْرُوق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحلّ دم امراءٍ يشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله إلاّ بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة». وما أخرجه أبو داود والنَّسائي عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ قتل مسلمٍ إلاّ بإحدى ثلاث خِصالٍ: زانٍ مُحْصَنٌ فَيُرْجَم، ورجلٌ يقتل مسلماً متعمّداً، ورجلٌ يخرج من الإسلام، فيحارب الله ورسوله، فَيُقْتَل أو يُصْلب، أو يُنْفَى من الأرض».

ومقابلة الحرّ بالحرّ لا تُنَافي مقابلة الحرّ بالعبد، إذ ليس فيه إلاّ ذكر بعض ما شمله العموم على موافقة حكمه، وذلك لا يوجب تخصيص ما بقي. ومجمله أنّ النص تخصيص بالذكر، وهو لا ينفي ما عداه، ألا ترى أنه قابل الأنثى بالأنثى، ولا يمنَعُ ذلك مقابلة الذكر بالأنثى، فكذا لا يمنع مقابلة العبد بالحرّ حتّى يُقْتل به العبد إجماعاً. وهما مستويان في العصمة، وهي بالدِّين عندهم، وبالدَّار عندنا.

وفائدة هذه المقابلة قول ابن عبّاس: كانت المقابلة بين بني النَّضير وبني قُرَيْظَةَ، وكان بنو النَّضير أشرف وكانوا يعدّون بني قُرَيْظَة على النصف منهم، فتواضعوا على أن العبد من بني النَّضير بمقابلة الحرّ من بني قُرَيْظَةَ، والأنثى منهم بمقابلة الذكر من بني قُرَيْظَة، فنزلت الآية رداً عليهم، وبياناً أن الحرّ بمقابلة الحرّ، والعبد بمقابلة العبد، والأنثى بمقابلة الأنثى من القبيلتين جميعاً، فكانت اللام لتعريف العهد لا لتعريف الجنس.

وقال الشافعي أيضاً: لا يُقْتَل المسلم بالذمي، وهو (قول مالك، وأحمد، وأبي ثور، والثوْرِيّ، والأَوْزَاعيّ، وزُفَرَ وأصحاب الظاهر، و) (٢) قول عطاء والحسن البصري. وفي «المبسوط»: أن الخلاف فيما إذا كان القاتل حال القتل مسلماً، أمّا لو كان حال القتل ذميّاً ثم أسلم، فإنه يُقتص منه بالإجماع. لهم ما أخرج البخاري في كتاب العلم، وفي موضعين من كتاب الدِّيات عن أَبي جُحَيْفة قال: سأَلت عليّاً: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ فقال العقل ـ أي الدِّية ـ وفَكَاك الأسير، وأن لا يُقْتَل مسلمٌ بكافرٍ.


(١) سورة المائدة، الآية: (٤٥).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>