للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا بعَظْمٍ ورَوْثٍ

===

واجبةٌ كما ذكره بعضُ علمائنا (١) .

لكن بقي الكلامُ في أصل المَرام، فإنّ هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الإِيتارَ غيرُ واجب. والمدَّعى أن الاستنجاءَ نفسَه واجب أو سنة.

وأمَّا قولُ من قال: إنَّ الإِيتار يقعُ على الواحدة، فإذا لم يكن حرَجٌ في ترك الإِيتارِ لم يكن حرجٌ في تركِ الاستنجاء: ففيه نظر، فإنَّ المنفيَّ على هذا التقدير إنَّما هو الإِيتارُ ممن استَنجَى، وذلك لا يتحقَّقُ إلا بنفي إيتارٍ هو فوقَ الواحدة، فإنَّ بنَفْي الواحدةِ يَنتفي الاستنجاءُ، فلا يَصدُقُ نفيُ الإِيتارِ مع وجودِ الاستنجاء، فلا يَتمُّ الدليلُ إلا بصرفِ النفي إلى كلِّ ما ذكره، فيَدخلُ فيه أصلُ الاستنجاءِ ومجرَّدُ الإِيتار فيه، والمعنى مَنْ فعَلَ ما قلتُه كلَّه فقد أَحسنَ، ومنْ لا فلا حرج.

(لا بعَظْمٍ) لأنه يَجرحُ وكذا الزُّجاج (ورَوْثٍ) لأنه نَجِس. ولِما في «البخاري» من حديث أبي هريرة في: بَدْء الخلْق أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «ابغِني أحجاراً أستَنفِضْ بها، ولا تأتني بعَظْمٍ ولا برَوْثة»، قلتُ: ما بالُ العظامِ والروثة؟ قال: «هما مِنْ طعامِ الجِنّ». فيه تغلِيبٌ أي العِظامُ طعامُ الجنّ، والرَّوثةُ علَفُ دوابَّهم، فإنَّ الله سبحانه يَخلُق في العظم ما كان فيه من اللحم، وكذا في الروثة.

وقد روى الترمذي مرفوعاً: «لا تسَتَنْجُوا بالرَّوثِ ولا بالعظام، فإنَّه زادُ إخوانِكم من الجِنّ». وروى مسلم عن جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتمسَّحَ بعظمٍ أو بَعْر. وروى أبو داود عن ابن مسعود: لمَّا قَدِمَ وَفْدُ الجِنِّ على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إِنْهَ أُمَّتَك أن تستنجيَ بِعَظْمٍ أو رَوْثةٍ أو حُمَمة (٢) ، فإنَّ الله تعالى جعَلَ لنا فيها رِزقاً، فنهانا رسولُ الله عن ذلك.

وروى الطحاوي عنه أنه قال: سألت الجِنُّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ـ في آخَرِ ليلةٍ لَقِيَهُم في بعضِ شِعابِ مَكَّة ـ الزادَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم «كُلُّ عظمٍ يَقعُ في أيدِيكم قد ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عليه أوفَرُ ما يكون لَحْماً، والبَعْرُ عَلَفاً لدوابِّكم»، فقالوا: إنَّ بني آدم


(١) عبارة المخطوطة: "وبدونه واجب كذا ذكره بعض علمائنا" بل مذهب المالكية غير هذا، ففي "الشرح الصغير" للدودير ١/ ٤٤: " ويُندب له وتر المزيل إذا كان جامدًا كحجر حيث أنقى المحل بالشفع، وإلا فالإنقاء متعيِّن، وينتهى ندب الإيتار للسبع فإن أنقى بثامن، فلا يطلب بتاسع". انتهى مما أفاده الشيخ عبد الفتاح رحمه الله تعالى.
(٢) الحُمَمَة: الفَحْمَة. النهاية ١/ ٤٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>