للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالدِّيَةُ في مَالِهِ في غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَالقِيمَةُ في قَتْلِ جَمَلٍ صَالَ عَلَيْهِ.

===

وفيهما عن أبي موسى: نحوه. ورواه النَّسائي من حديث ابن الزُّبَيْر (١) والحاكم في «المستدرك» عن مَعْمَر مرفوعاً: «من شَهَرَ سيفاً ثم وضعه فدَمُه هَدْر». ولأنه باغٍ بفعله فتسقط عصمته، ولأن القتل تعيّن طريقاً لدفع فعله، لأن السيف لا يُلْبِثُ، فيحتاج في دفعه إلى القتل (٢) ، والعصا (الصغيرة) (٣) وإن كانت تُلْبِثُ (٤) ، إلاّ أنه في الليل لا يلحقه الغوث، وكذا في النهار في غير مصرٍ، فكان دمه هَدْراً، حتّى لو أمكن دفعه بطريقٍ آخر لا يَسَعُهُ قتلُه.

(وَالدِّيَةُ) مبتدأٌ خبره (في مَالِهِ) أي مال المشهور عليه (في غَيْرِ مُكَلَّفٍ) أي في قتله مجنوناً، أو صبياً شَهَر سلاحاً، أو شَهَر عصاً ليلاً في مصرٍ أو غيره، أو نهاراً في غير مصرٍ (وَالقِيمَةُ في قَتْلِ جَمَلٍ) أو نحوه (صَالَ عَلَيْهِ) أي على قاتله. وقال مالك والشافعي وأكثر أهل العلم: لا شيء في الكلّ، لأنه قَتَلَه دفعاً عن نفسه، فكان كقتل الشاهر المكلّف. ولأنه محمولٌ على قتله بسبب فعله، وهو شهر السلاح والصَّوْل، فكان كما إذا أَكره رجلٌ آخر بأن قال له: لأَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْتُلَنَّ فلاناً، فقتله المُكْرَه حيث لا يجب عليه شيء.

ولنا: أن فعل الصبي والمجنون والدَّابة غير متَّصفٍ بالحرمة لعدم الاختيار الصحيح منهم، فلا تسقط العصمة، ولذا لا يجب القصاص على الصبي والمجنون إذا قَتلا، ولا الضمان إذا قتلت الدَّابة. ومقتضى هذا: أن يجب القصاص على المشهور عليه إذا قتلهما، لأنه قَتَل نفساً معصومةً، إلاّ أن الدّية وجبت لوجود المبيح، وهو دَفْع الشر.

ولو نظر إنسانٌ في بيت آخَر من ثُقْبٍ أو شِقّ بابٍ فطعنه صاحب الدّار بخشبةٍ أو رماه بحصاةٍ ففقأ عينه، ضمنه عندنا. ولم يضمنه عند الشافعيّ لما روى أبو هُريرة


= كتاب الإِيمان (١)، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حمل علينا السلاح فليس منا" (٤٢)، رقم (١٦١ - ٩٨).
(١) حُرِّفت في المخطوط إِلى: ابن أَبي الزبير، والمثبت من المطبوع، وهو الصواب لموافقته لما في سنن النِّسائي ٧/ ١٣٣، كتاب التحريم (٣٧)، باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس (٢٦)، رقم (٤١٠٨).
(٢) ومعنى العبارة: أن مَن ضُرب كالسيف غاليًا لا يَلْبَثُ، أي لا يمكث طويلًا حتى يموت فيحتاج المشهور عليه السيف إلى دَفْع الشّاهر بالقتل إِن لم يمكنه ذلك إِلّا به.
(٣) عبارة. المخطوط والمطبوع: والعصا وإن كان يليث. والتصويب من الهداية (فتح القدير ٩/ ١٦٦. وما بين الحاصرتين منه. ويجب أن تقيّد العصا بالصغيرة، لأن الكبيرة لها حُكْم السيف.
(٤) في المطبوع: القاضي، والمثبت من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>