أخرى. قال: فأشرف على البئر فوجد ريحاً منكرة، فأتى يَعْلى فقال: ما أظن إلاّ قدرت لكم على صاحبكم وقصّ عليه القصّة فأتى يَعْلَى حتّى وقف على البئر، والناس معه، فقال أحد أصدقاء المرأة ممّن قتله: دَلُّوني بحبلٍ، فدلوه فأخذ الغلام فغيّبه في سَرَبٍ (١) من البئر، ثم رفعوه فقال: لم أقدر على شيءٍ فقال رجلٌ آخر: دلُّوني، فدلوه فاستخرجه. فاعترفت المرأة واعترفوا كلهم، فكتب يَعْلَى إلى عمر. فكتب إليه عمر: أن أقتلهم، فلو تمالأ عليه أهل صنعاء، لقتلتهم به.
وروى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب قال: خرج رجالٌ سَفْرٌ، فصحبهم رجلٌ، فَقَدِمُوا وليس معهم فاتَّهمهم أهله، فقال شُرَيْح: شُهُودَكم أنهم قتلوا صاحبكم، وإلاّ حلِّفوهم بالله ما قتلوه. فأَتَوا بهم إلى عليّ ـ وأنا عنده ـ ففرَّق بينهم فاعترفوا، فأمر بهم فقُتِلُوا. ولأن زُهُوق الروح لا يتجزّأ، واشتراك الجماعة فيما لا يتجزأ يوجب التكامل لكلّ واحدٍ منهم كولاية الإنكاح.
(وَبِالعَكْسِ) أي ويقتل واحدٌ بجماعةٍ، وكان الأولى أن يقول: كالعكس، إذ لا خلاف فيه. (فَإِنْ حَضَرَ وَلِيٌّ وَاحِدٌ) من المقتولين (قُتِلَ وَسَقَطَ حَقُّ البَاقِينَ) لفوات محل الاستيفاء، وصار كموت العبد الجاني وموت القاتل حتف أنفه، وبه قال مالك. وقال الشّافعي: يستوفي الباقون الدِّيَّات من تَرِكَتِه بناء على أن الواجب عنده للأولياء: إمّا القصاص وإمّا الدية، فإذا سقط القصاص من غير إبراء، ثبت المال.
وقيّد بولي واحد من المقتولين، لأنه لو حضر أولياء المقتولين قُتِل لجماعتهم، ولا شيء لهم غيرُ ذلك، لأن لكلّ واحد من الأولياء قتله بوصف الكمال. ولهذا لو قَتَل جماعةٌ واحداً يكون كلّ واحدٍ قاتلاً بوصف الكمال، وإلاّ كما وجب القصاص. وإذا كان كذلك، لا تجب الدية لعدم اجتماعهما مع القتل.
هذا، ومن قُتِلَ عمداً ولا وليّ له، فللسلطان أن يقتل قاتله وله أن يصالح، والقاضي بمنزلته فيه.
(وَلَا تُقْطَعُ يَدَانِ) لرجلين (بِيَدٍ) قطعاها بأن أخذا سكِّيناً وأمرَّاها على يده من جانبٍ واحدٍ حتّى انقطعت. وهو قول الثَّوْرِيّ والزُّهْرِيّ والحسن، وعليهما نصف الدِّيَة، لأنه دية اليد الواحدة، فيضمنان ديتها في مالهما، لأنّا تيقّنّا أن كلّ واحدٍ منهما قاطعٌ للنصف، والفعل عمداً. وقال مالك والشّافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور: تقطع يداهما. وأمّا لو وضع أحدهما سِكِّيناً من جانبٍ، والآخر من جانبٍ آخر، وأمرَّا حتّى
(١) السَّرَبُ: حفيرٌ تحت الأرض لا منفذ له. المعجم الوسيط ص ٤٢٥، مادة (سرب).