للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِفَرْدٍ

===

ولنا: أنه إذا لم يعلم بالعفو كان القَوَدُ واجباً في حقّه ظاهراً، فيصير شبهةً في درء القود عنه، والدليل على عصمته بعفو أحدهما: ما رُوِيَ أنّ هذه الحادثة وقعت في زمن عمر، فشاور ابن مسعود فقال: أرى أنّ هذا قد أَحيى بعض نفسه، فليس للآخر أن يقتله، فأمضى عمر القضاء على رأيه. وهو المعنى، فإنّ العافي قد أسقط حقّه، وهو من أهل الإِسقاط، فصحّ إسقاطه، وبإسقاطه أَحيى بعض نفس القاتل، فيعجِز الآخر عن استيفاء حقّه لعدم احتمال التجزي ثبوتاً وسقوطاً. وتعذّر الاستيفاء إنما هو لمعنىً في القاتل، وهو مراعاة حرمة بعض نفسه، فكان في معنى الخطأ، فيجب المال للآخَر. ولو قتله العافي بعد العفو يجب القَوَدُ عند الأئمة الأربعة، وهو قول أكثر أهل العلم، لأنه قتل نفساً معصومةً بغير حقّ. ورُوِيَ عن الحسن: أنه يؤخذ منه الدِّية، وعن عمر بن عبد العزيز: أنّ الحُكْم فيه إلى السلطان.

(وَيُقْتَلُ جَمْعٌ) باشر كلُّ واحدٍ جُرْحاً قاتلاً (بِفَرْدٍ) قتلوه عمداً، وهو قول مالك والشّافعيّ وأحمد وأكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين. وقال ابن الزُّبَيْر والزُّهْرِيّ وابن سيرين وابن أبي ليلى وعبد الملك، وربيعة وداود وابن المُنْذِر وأحمد في روايةٍ: لا يقتلون به وتجب الدِّية عليهم، لأن مفهوم النفس بالنفس أن لا يقتل بالنفس الواحدة أكثر من واحدةٍ، ولأن في القصاص تجب المساواة، ولا مساواة بين العشرة والواحد. ولنا: ما روى محمد بن الحسن في «موطّئه» والشافعي في «مسنده» كلاهما عن مالك، عن يحيى بن سعيد (١) ، عن سعيد بن المُسَيَّب: أن عمر بن الخطاب قتل نفراً خمسة أو سبعة برجلٍ قتلوه غِيْلَةً (أي خُفْيةً ـ) (٢) وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم.

ورواه عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» مطولاً عن ابن جُرَيْج، عن عمرو بن دِينَار: أن حُيَّي بن يَعْلَى أخبره أنه سمع يَعْلَى يخبر هذا الخبر، وأَنَّ اسم المقتول أصيل قال: كانت أمرأةٌ بصنعاء لها ربيبٌ، فغاب زوجها، وكان لها أخِلاَّء فقالت: إنّ هذا الغلام يفضحنا فانظروا كيف تصنعون به فتمالؤا عليه، وهم سبعة نفرٍ مع المرأة فقتلوه وألقوه في بئر غُمْدَان. فلمّا فقِد الغلام خرجت أمرأة أبيه ـ وهي التي قتلته ـ وهي تقول: اللَّهم لا تُخْفِ عليّ من قتل أصيلاً. قال: وخطب يَعْلَى النَّاس في أمره، قال: فمرّ رجلٌ بعد أيام ببئر غُمْدَان، فإذا هو بذبابٍ أخضرٍ عظيمٍ يطلع من البئر مرّة ويهبط


(١) حُرِّفت في المطبوع إلى سعد والمثبت من المخطوط وهو الصواب لموافقته لما في ترتيب مسند الشافعي ٢/ ١٠١.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>