للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

القصاص، ومن ضرورة سقوط حقِّه في القصاص سقوطُ حقِّ الباقين فيه، لأنه لا يتجزَّأ ثبوتاً فكذا سقوطاً.

وإذا سقط القَوَدُ انقلب نصيبُ مَنْ لم يَعْفُ مالاً، لأن القصاص امتنع لمعنىً في القاتل، وهو ثبوت عصمته بعفو البعض، فيجب المال كما في الخطأ، حيث امتنع فيه القود لمعنىً في القاتل، وهو كونه مخطئاً.

ثم العفو في القصاص لِمَنْ له القصاص، وهو عندنا كل وارثٍ، وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم. وقال اللَّيث والزُّهْرِي وابن شُبْرُمة والأَوْزَاعيّ والحسن وقَتَادة: ليس للنساء عفو في القصاص، وعند مالك: القصاص للعَصَبات خاصة، وهو قول بعض أصحاب الشّافعيّ. وقال بعض أصحاب الشافعي: للأقارب دون الزوجين، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «فأهله بين خِيْرَتَيْن» (١) وأهله: ذَوُوا رَحِمِه. ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك مالاً أو حقّاً فلورثته، ومن ترك كَلاًّ (٢) فعليّ» (٣) ، والقصاص حقٌّ فيكون لجميع الورثة كالمال، وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: «فأهله بين خِيْرَتَين» فامرأة الرجل من أهله بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك: «وما كان يدخل على أهلي إلاّ معي» (٤) يريد عائشة رضي الله تعالى عنها.

ولو قتل بعضُ الأولياء القاتلَ بغير إذن الباقين لم يجب عليه قصاصٌ عند أبي حنيفة ومحمد والشافعي في الأصحّ، وفي قولٍ عنه: عليه القصاص، لأنه مَمْنُوعٌ من قتله، ولو قتله مع العلم بعفو بعض شريكه سواء حكم به حاكم أو لا، يجب عليه القُوَد، وهو الظاهر من مذهب الشّافعيّ وأَحمد. وقال الشافعي في قول: لا يجب القَوَدُ، لأن فيه شبهةً لوقوع الخلاف. ولنا: أنه قتل معصوماً مكافئاً، مع العلم بأنه لا حقّ له فيه، فيجب عليه القَوَد كما لو قتله قبل الحكم بالقود، والاختلاف لا يُسْقِطُ القود، فإنه لو قتل كافرٌ مسلماً قتلناه مع وجود الاختلاف فيه، ولو قتله قبل العلم بالعفو لا يجب القَوَد وعليه الدِّيَة، وبه قال أحمد والشافعي في قولٍ. (وقال الشافعي في قولٍ) (٥) وزفر: يجب القَوَدُ، لأنه قتله عمداً بغير حقَ.


(١) سبق تخريجه عند الشارح ص ٤٦٢.
(٢) الكلُّ: من لا ولد له ولا والد. ومن يكون عبئًا على غيره. المعجم الوسيط ص ٧٩٦، مادة (كَلَّ).
(٣) أَخرجه مسلم في صحيحه ٣/ ١٢٣٨، كتاب الفرائض (٢٣)، باب من ترك مالًا فلورثته (٤)، رقم (١٧ - ١٦١٩).
(٤) أَخرجه البخاري في صحيحه (فتح الباري) ٧/ ٤٣١ - ٤٣٥، كتاب المغازي (٦٤)، باب حديث الإفك (٣٤)، رقم (٤١٤١).
(٥) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>