للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ عَفَى عِنِ الجِنَايَةِ، فَهُوَ عَفْوٌ عَنِ النَّفْسِ، فَالخَطَأُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَالعَمْدُ مِنْ كُلِّهِ.

وَالقَوَدُ يَثْبُتُ بَدْأً لِلوَرَثَةِ لَا إرْثًا، فَلَا يَصِيرُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنِ البَقِيَّةِ. فَلَوْ أَقَامَ حُجَّةً بِقَتْلِ أَبِيهِ غَائِبًا أَخُوهُ، فَحَضَرَ، فَفِي العَمْدِ يُعِيدُهَا، وفي الخَطَأِ والدَّيْنِ لَا.

===

الأظهر، لأن السِّرَاية تبعٌ للجناية، فلم يَجُز أن يكون ابتداؤها مباحاً، وسرايتها مضمونة.

ولأبي حنيفة: أن حقّه في القطع، والموجود قتل، حتّى لو وقع ظلماً كان قتلاً، فلم يكن مستوفياً حقّه فيضمن، إلاّ أنه سقط القصاص للشبهة، فوجب الدِّية، بخلاف ما ذكروا من المسائل، لأنه يجب الفعل على الإمام وعلى غيره بالفعل. وإقامة الواجب لا يتقيّد بشرط السلامة كالرميّ إلى الحربيّ، لئلا يكون تكليف ما ليس في الوسع. وفي مسأَلتنا هو مخيّر بين الاستيفاء والعفو، بل العفو مندوبٌ إليه، فيتقيّد بشرط السلامة كالرمي إلى الصيد.

(وَلَوْ عَفَى عِنِ الجِنَايَةِ) أو عفى عن القطع وما يحدث منه (فَهُوَ عَفْوٌ عَنِ النَّفْسِ) بلا خلافٍ (فَالخَطَأُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) أي إن كان القطع خطأ يعتبر من ثلث مال المقطوع لتعلق حقّ الوارث به (١) ، فإن كان في الدِّية فاضل من الثلث (٢) أخذه الوارث من القاطع. (وَالعَمْدُ) يعتبر (مِنْ كُلِّهِ) أي من كلّ ماله، فلا يضمن القاطع شيئاً، كذا في «الهداية» وغيرها، ولا يخفى أن الموجب هنا هو القود، وهو ليس بمالٍ، فلا وجه للقول بأنه من كلّ المال.

(وَالقَوَدُ يَثْبُتُ بَدْأً) أي ابتداءً (لِلوَرَثَةِ) عند أبي حنيفة (لَا إرْثاً) أي لا يثبت القود للورثة بطريق الإرث بأن يثبت للمُوَرِّث ابتداءً ثم يثبت للوارث، كما هو مذهب أبي يوسف ومحمد (فَلَا يَصِيرُ أَحَدُهُمْ) أي أحد الورثة عند أبي حنيفة (خَصْماً عَنِ البَقِيَّةِ) بغير وكالة.

اعلم أن كلّ ما يملكه الورثة بطريق الإرث، فأحدهم خصم عن الباقين، حتّى لو ادّعى أحد الورثة شيئاً من التركة على أحدٍ وأقام البيِّنة عليه ثبت حقّ الجميع، ولا يحتاج الباقون إلى تجديد الدَّعوى. وكل ما يملكه الورثة لا بطريق الوراثة، لا يصير أحدهم خصماً عن الباقين، ففرَّع على هذا قوله: (فَلَوْ أَقَامَ) شخصٌ (حُجَّةً) أي بيِّنة (بِقَتْلِ أَبِيهِ) حال كونه (غَائِباً أَخُوهُ فَحَضَرَ) الغائب (فَفِي العَمْدِ يُعِيدُهَا) أي يعيد الغائب الحُجَّة عن أبي حنيفة (وفي الخَطَأِ والدَّيْنِ لَا) يعيدها


(١) أَي إِذا كان القطع خطأَ، وقد عفى عن الجناية أَو عن القطع وما يحدث منه، فهو عفو عن الدِّية، ويُعْتَبَرُ من الثلث، لأن الدية مالٌ، وحقّ الورثة متعلقٌ بها، والعفو وصية، فتصحّ من الثلث. حاشية محمود بن إلياس الرومي، بهامش فتح باب العناية ٢/ ٤٨٢.
(٢) أَي زائد عن الثلث.

<<  <  ج: ص:  >  >>