للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا إنْ مَاتَ جُوعًا أَو غمًّا.

وإنْ تَلِفَ بِهِ بَهِيمَةٌ ضَمِنَ هُوَ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الإِمَامُ.

===

تلف بوقوع في بالوعة حفرها بإذن الإمام، وإن كان بغير إذنه يضمن، لأنه متعدَ وكذا الجواب على هذا التفصيل في جميع ما يُفْعل في طريق العامة (١) . ولو حفر في ملكه بالوعة، أو وضع شيئاً فتلف به شيءٌ لم يضمنه، لعدم اتصافه بالتعدّي. ولو وضع حجراً فَنَحَّاه غيره عن موضعه فَعَطِبَ به إنسانٌ ضمن الذي نحَّاه، لأن حكم الفعل الأول قد انفسخ بفراغ موضعه واشتغل بالفعل الثاني بموضعٍ آخر. وذكر التُّمُرْتَاشي أنّ أفنية الأبواب التي في طريق الشارع ليست بمملوكة لأصحاب الدور، ولو أرادوا أن يُحْدِثُوا في أفنيتهم، فهو وما أحدثوا في غير أفنيتهم سواءٌ.

(لا إنْ مَاتَ جُوعاً) أي لا يضمن عاقله من أحدث شيئاً من ذلك فوقع فيه إنسانٌ ومات جوعاً أو عطشاً (أَوْ غمّاً) أي أخذاً على النفس من شدة الحزن، وهذا عند أبي حنيفة، لأنه مات لمعنىً في نفسه لا للوقوع، فصار كأنه مات حتف أنفه. وقال أبو يوسف: لا يضمن إن مات جوعاً، ويضمن إن مات غمّاً، لأنه لا سبب للغمّ سوى الوقوع، والغمّ أثر جعل الأرض عميقاً، وهو من آثار حفره فَيُضَاف إليه، والجوع من آثار الطبيعة حيث لم يبق في المعدة شيءٌ من الطعام، وليس ذلك من أثر حفره. وقال محمد: هو ضامنٌ في الوجوه كلها، وهو قياس قول مالك والشافعي وأحمد، لأن ذلك إنما حدث بسبب الوقوع، إذ لولاه لكان الطعام قريباً منه، وأوجبوا الدية.

((وإنْ تَلِفَ بِهِ) أي بحفر البئر في الطريق (بَهِيمَةٌ ضَمِنَ هُوَ) أي الحافر من ماله) (٢) (إِنْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ) أي بالحفر (الإِمَامُ) لأنه متعدَ في الحفر فيضمن ما تلف به، غير أنّ العاقلة تتحمل الأنفس دون الأموال، والبهيمة مالٌ فكان ضمانها في ماله. وإلقاء التراب والطين في الطريق، كإلقاء الحجر والخشبة فيما ذكرنا.

ولو كان مسجدٌ لعشيرةٍ، فعلّق رجلٌ منهم قِنْديلاً، أو جعل فيه بَوَاري (٣) أو حصى فعَطِب به رجلٌ لا يضمن، سواء فعل بإذن الإمام أو بغير إذنه، وبه قال أحمد والشافعي في وجهٍ، وقال في وجهٍ آخر: يضمن إذا فعل بغير إذن الإمام. ولو كان الذي فعل ذلك من غير العشيرة، وفعل بغير إذن الإمام، وغير إذن العشيرة، ضمن عند أبي


(١) في المطبوع: العاملة، والمثبت من المخطوط.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.
(٣) البارِياء: الحصير. المعجم الوسيط ص ٧٦، مادة (بار).

<<  <  ج: ص:  >  >>