للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال مالك والشافعيّ وأحمد: يبدأ بالمدَّعِين (١) في الأيمان، فإن حلفوا استحقّوا، وإن نكلوا حَلَّف المدَّعَى عليهم خمسين يميناً، فإن حلفوا برئوا، وهو مذهب يحيى بن سعيد وربيعة وأبي الزِّناد واللَّيث بن سعد، لقوله عليه الصلاة والسلام لأولياء عبد اللهبن سهل ابتداءً: أتحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم صاحبكم؟» (٢) ، وقوله فيما رواه البَيْهَقِيّ: «أَفَتَبْرِئُكُم يهود بخمسين يميناً»؟ وهذا تنصيصٌ على أن اليمين على الوليّ، وأنه يستحقّ القصاص به في دعوى العمد على قول مالك وقديم الشّافعيّ. وقال في الجديد: فإذا حلف قُضِيَ له بِدِيةٍ في ماله، وإذا انعدم اللَّوَثُ (٣) أو أبى الوليّ أن يحلف، فالحكم فيه ما هو الحكم في سائر الدَّعَاوى.

ولنا: ما في الكتب الستة من حديث ابن عباس: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اليمين على المدّعى عليه». وما رواه ابن أبي شَيْبَة من قضاء عمر في القتيل الذي وُجِدَ بين وَادِعَة وأَرْحَب، وسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.

ومن أدلتنا أيضاً: ما في «المبسوط» عن أبي أيوب مولى أبي قِلابة قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز وعنده رؤساء الناس، فخُوصِم إليه في قتيل وُجِدَ في محلّةٍ، وأبو قِلابة جالسٌ عند السرير أو خلفه.

فقال الناس: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقَود في القَسَامة وأبو بكر وعمر والخلفاء بعدهم، فنظر إلى أبي قِلابة، وهو ساكتٌ، فقال: ما تقول؟ فقال: عندك رؤساء الناس أو أشراف العرب، أرأيتم لو شهد رجلان من أهل دمشق على رجلٍ من أَهل حِمص أنه سرق ولم يرياه أكُنْتَ تقطعه؟ فقال: لا. قال: أرأيتم لو شهد أربعة من أهل حِمص على رجلٍ من أهل دمشق أنه زنى ولم يَرَوْه أكُنْتَ ترجمه؟ فقال: لا. فقال: والله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفساً بغير نفسٍ إلاّ رجلاً كفر بالله بعد إيمانه، أو زنى بعدإحصانه، أو قتل نفساً بغير نفسٍ. وقد قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالقَسَامة والدِّية على أهل خَيْبَر في قتيلِ وُجِدَ بين أظهرهم. فانْقَاد عمر بن عبد العزيز لذلك.

وهذا لأن أمراء بني أُميّة كانوا يقضون بالقَوَد في القَسَامة على ما روى الزُّهْرِيّ أنه قال: القَوَدُ في القَسامة من أمور الجاهلية، وأول من قضى به معاوية. فلهذا بالغ أبو قِلابة في إنكار ذلك هنالك. وعن «الذَّخِيرَة» و «الخانية»: لو حلفوا غُرِّمُوا الدِّية، وإن


(١) في المخطوط: بالمدعيَيْن، والمثبت من المطبوع.
(٢) سبق تخريجه عند الشارح ص ٣٨٥.
(٣) سبق شرحها عند الشارح ص ٣٨٧، التعليقة رقم (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>