للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَهْلِهَا: حُلِّفَ خَمْسُونَ رَجُلًا حُرًّا مُكَلَّفًا مِنْهُمْ، يَخْتَارُهُمَ الوَليُّ: بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا، لا الوَلِيُّ، ثُمَّ قُضِيَ عَلَى أَهْلِهَا بالدِّيَةِ.

===

الخطأ (عَلَى أَهْلِهَا) كلّهم أو بعضهم مبهماً أو مُعيّناً. وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول ـ وهو رواية أصول ابن المبارك ـ عن أبي حنيفة: لا قَسَامة ولا دية في المعيّن. ويُقَال للوليّ: ألك بَيِّنة؟ فإن قال: لا، حُلِّفَ المدّعى عليه يميناً واحدةً، لأن دعواه على المعيّن منهم إبراء لباقيهم، وصار كما إذا ادّعى القتل على واحدٍ من غيرهم.

ووجه الظاهر: أن وجوب القَسَامة على أهل المحلّة دليلٌ على أن القاتل منهم، فتعيين المدّعي واحداً منهم لا يُنَافي ذلك، بخلاف تعيينه واحداً من غيرهم، لأنه بيان أن القاتل ليس منهم، وهم إنما يَغْرَمون إذا كان القاتل منهم لكونهم قاتلين تقديراً، حيث لم يأخذوا على يد الظالم، ولأن أهل المحلّة لا يَغْرَمون بمجرد ظهور القتيل بين أظهرهم بل بدعوى الوليّ، فإذا ادَّعى القتل على غيرهم امتنعت دعواه عليهم، فسقط عنهم لفقد شرطه.

(حُلِّفَ خَمْسُونَ) خبر المبتدأ (رَجُلاً حُرّاً مُكَلَّفاً) لأن المرأة والعبد والصبيّ والمجنون أتباع لأهل النُّصرة، واليمين على أهلها (مِنْهُمْ) أي من أهل المحلَّة (يَخْتَارُهُمْ الوَليُّ) لأن اليمين (١) حقّه، والظاهر أنه يختار من يتّهمه بالقتل، أو يختار صالحيهم، لأنهم يحترزون عن اليمين الكاذبة (بِاللَّهِ) متعلّق بحُلِّفَ (مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلاً) هذا حكاية قول الجميع، لأن الواحد منهم إذا حَلَف يقول: ما قتلت وما علمت له قاتلاً، لا: ما قتلنا، لجواز أنه قَتَلَهُ وحده، فإذا حلف ما قتلناه كان صادقاً في يمينه، لأنه لم يقتله مع غيره.

ونظيره ما ورد في تفسير قوله تعالى حكاية عن قوم صالح: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (٢) فإنْ قيل: يجوز فيما قتلت أن يكون قتله مع غيره، فيكون صادقاً في يمينه. أُجِيبَ: بأنه إِذا قتله مع غيره كان في يمينه أنه ما قتله كاذباً، لأن الجماعة متى قتلوا واحداً كان كلّ واحدٍ منهم قاتلاً، ولهذا يجب القصاص على كلّ واحدٍ منهم في العمد والكفارة في الخطأ (لا الوَلِيُّ) أي لا يحلف الوليّ، ولو مع وجود الورثة عندنا. (ثُمَّ قُضِيَ عَلَى أَهْلِهَا) أي أهل المحلّة (بالدِّيَةِ) وهذا قول عمر والشَّعبيّ والنَّخَعِي والثَّوْرِيّ.


(١) في المخطوط: الولي، والمثبت من المطبوع.
(٢) سورة النمل، الآية: (٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>