هذا، واخْتُلِفَ في الآباء والبنين: فقال الشّافعيّ وأحمد في روايةٍ: ليس آباء القاتل وإن عَلَوْا، ولا أبناؤه وإن سَفَلوا من العاقلة. وقال مالك وأحمد في روايةٍ: يدخل في العاقلة أبو القاتل وابنه، وهو قولنا عند عدم أهل الديوان.
ولنا: أنّ عمر لمّا دوّن الدواوين جعل العقل على أهل الدِّيوان، وكان ذلك بِمَحْضَر من الصحابة. روى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» عن الحكم قال: عمر أول من جعل الدية عشرةً عشرةً في أعطيات المقاتلة دون الناس. والأَعْطِيَة جمع العَطِيَّة. وروى أيضاً عن الشَّعْبِيّ، وعن إبراهيم أنهما قالا: أول من فرض العطايا عمر بن الخطاب، وفرض فيه الدِّية كاملة في ثلاث سنين، والنصف في سنتين، والثلث في سنة، وما دون ذلك في عامه. وفي «مصنف عبد الرَّزَّاق» مثله، وفيه أيضاً: أخبرنا الثوري عن أَشْعَث، عن الشَّعْبِيّ: أنه جعل عمر الدِّية في الأَعْطِيَة في ثلاث سنين، والنصف والثلثين في سنتين، والثلث في سنة، وما دون الثلث فهو في عامه.
وأخرج ابن أبي شَيْبَة عن النَّخَعِيّ والحسن أنهما قالا: العقل على أهل الديوان. وقال الترمذي في كتابه: وقد أجمع أهل العلم على أن الدِّية تُؤْخذ في ثلاث سنين، في كل سنة ثلث الدية. وروى عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن عمر أنه جعل الدية في الأَعْطِيَة في ثلاث سنين: وفي لفظ: أنه قضى بالدية في ثلاث سنين، في كل سنة ثلث على أهل الديوان في أعطياتهم.
وأمّا قولهم: ولا نسخ بعده عليه الصلاة والسلام فمسلَّمٌ، إلاّ أن هذا ليس بنسخٍ، بل هو تقدير معنىً، لأن العقل على أهل النُّصرة، وكانت النُّصرة بأنواعٍ: بالقرابة، وبالحِلْفِ أي العهد، وبولاء العَتَاقة، وبالعدّ، وهو: أن يُعَدّ في القوم ولا يكون منهم. وفي عهد عمر صارت بالديوان، فجعله على أهله اتباعاً للمعنى. ولهذا قالوا: لو كان اليوم قوم يتناصرون بالحِرَف، كانت عاقلتهم أهلَ حرفتهم، ولو كان بالحِلْف فعاقلتهم حلفاؤهم.
وتوضيحه: أن إجماع الصحابة لم يكن على خلاف ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل على وِفَاق ما قضاه، فإنهم علموا أنه إنما قضى على العشيرة باعتبار النُّصرة، وقد كانت قوة المرء ونصرته يومئذٍ بعشيرته، ثم لمَّا دوّن عمر الدواوين صارت القوة والنصرة بالديوان، فلذا قَضَوا بالدية على أهل الديوان، لأن المعنى متى عُقِل في حكم الشرع، يتعدّى الحكم بذلك المعنى إلى الفرع.