الإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة لقصور ولايتهم عنهم إلاّ أن يصدّقوه في الإِقرار، لأن تصديقهم إقرارٌ منهم، والامتناع كان لحقّهم وقد زال، أو أن تقوم البيّنة، لأنها مثبتة وتقبل هنا مع الإقرار وإن كانت لا تُعْتَبر معه، لأنها تُثْبِتُ ما ليس بثابت بإِقرار المدَّعى عليه، وهو الوجوب على العاقلة. ولو أقرّ بقتلٍ خطإٍ، ولم يرتفعوا إلى القاضي إلاّ بعد سنين قضى عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يَقْضِي. وقال مالك والشافعي وأحمد: حالاً. لنا: أن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبيّنة، ففي الثابت بالإقرار أولى، لأنه أضعف.
(أَوْ) الذي يجب بسبب قتل (عَمْدٍ سَقَطَ قَوَدُهُ بِشُبْهَةٍ) وكذا إذا عفا بعض الأولياء (أَوْ) الذي يجب بسبب (قَتْلِهِ ابْنَهُ عَمداً، وَلَا) تتحمل العاقلة (جِنَايَةَ عَبْدٍ، أوْ عَمْدٍ، أَوْ مَا دُونَ أَرْشِ مُوضِحَةٍ، بَلْ) يتحملها (الجَانِي). أخرج البيهقي عن الشعبيّ، عن عمر قال: العمد والعبد والصلح والاعتراف لا يعقله العاقلة. وروى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» عن النَّخَعِيّ أنه قال: لا تعقل العاقلة ما دون المُوضِحَة، ولا تعقل العمد ولا الصلح ولا الاعتراف.
وأخرج عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن الشَّعْبي أنه قال: أربعة ليس فيهن عَقْلٌ على العاقلة، وإنما هي في ماله خاصة: العمد والاعتراف والصلح والمملوك. وروى البَيْهقي عن الشعبيّ أنه قال: لا تعقل العاقلة عمداً، ولا عبداً، ولا صلحاً، ولا اعترافاً.
ورواه أبو عُبَيْد القاسم بن سلاَّم في آخر كتابه «غريب الحديث»، كذلك من قول الشَّعْبِي، ثم قال: واختلفوا في تأويل العبد: فقال محمد بن الحسن: معناه أن يقتل العبد حراً، فليس على عاقلة مولاه شيءٌ من جنايته، وإنما هي في رقبته، واحتجَّ لذلك محمد بن الحسن فقال: حدّثني عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد، عن أبيه، عن عُبَيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: لا تعقل العاقلة: عمداً، ولا صلحاً، ولا اعترافاً، ولا ما جنى المملوك. ألا ترى أنه جعل الجناية للمملوك. قال: وهذا قول أبي حنيفة. وقال ابن أبي ليلى: إنما معناه أن يكون العبد يُجْنَى عليه: يقتله حرّاً ويجرحه، فليس على عاقلة الجاني شيءٌ، إنما ثمنه في ماله خاصة.
قال أبو عُبَيْد: فذاكرت الأصْمَعِي فيه فقال: القول عندي ما قال ابن أبي ليلى،