للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إِلَيْهِ مَالُهُ حتى يَبْلُغ خمسًا وعِشْرِينَ سنةً، وصحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ، وَبَعْدَهُ يُسَلَّمُ بِلَا رُشْدٍ.

===

فهذا اتفاقٌ منهم على جواز الحَجْر بسبب التبذير. والمعنى فيه أنه مبذّرٌ في ماله، فيكون محجوراً عليه في أفعاله كالصبيّ بل أولى، لأنه إنما حجر عليه لتوهم التبذير منه وقد تحقّق هنا، فلأن يكون محجوراً عليه أولى. وإنما جاز تزوّجه وطلاقه وإعتاقه بدون إجازة القاضي، لأن كلّ كلام لا يؤثِّر الهزل فيه لا يؤثر السَّفَه فيه، لكن يبطل ما زاد على مهر المثل. هذا.

ويدفع القاضي إليه زكاة ماله، ويصرفها هو بحضرة أمينه لئلاّ يصرفها في غير مصارفها. وينفق عليه القاضي أو أمينه، لأنه لا حاجة فيها إلى نية، كذا على من يلزمه نفقته من ماله، لأن السَّفَه لا يبطل حقوق الناس، ولا يمنعه من حجة الإسلام، لأن الحجّ فرضٌ عليه إذا كان مستطيعاً، والسفيه كالمصلح في الفرائض، ولا مِنْ عمرةٍ واحدةٍ استحساناً، لأنه قيل بفرضيتها، فلا يمنع عنها احتياطاً، وتنفذ وصاياه في القُرَب من الثلث.

(وَإِذَا بَلَغَ) الصبيّ (غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إِلَيْهِ مَالُهُ) عند أبي حنيفة (حتى يَبْلُغ خمساً وعشرين سنةً، وصحَّ)

عنده (تَصَرُّفُهُ) أي الذي بلغ رشيداً (قَبْلَهُ) أي قبل خمسٍ وعشرين سنةً (وَبَعْدَهُ) أي بعد الخمس والعشرين سنةً (يُسَلَّمُ) إليه ماله (بِلَا رُشْدٍ)، وعندهما وهو قول مالك والشافعي وأحمد: لا يُسَلَّم إليه ماله، ولا يجوز تصرّفه فيه حتى يُؤنس رشده، لقوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاء أمْوَالَكُمُ} (١) ، وقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمُ مّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (٢) فإنه تعالى نهى عن الدفع إليه ما دام سفيهاً، وأمر بالدفع إليه إن وُجِدَ رشيداً، فلا يجوز الدفع إليه قبل الرشد. لأبي حنيفة قوله تعالى: {وَآتُوا اليَتَامَى أَمْوالَهُمْ} (٣) والمراد بعد البلوغ، وسُمُّوا يتامى لقربهم من اليُتْم.

فهو تنصيصٌ على (وجوب) (٤) دفع المال بعد البلوغ، إلاّ أنه يمنع عنه ماله قبل هذه المدّة بالإجماع، ولا إِجماع هنا فيجب دفع المال بالنّص. ولأن أول أحوالِ البلوغ قد لا يفارقه السَفَه باعتبار أثر الصبا، فقدّرناه بخمسٍ وعشرين سنةً، لأنه وقتٌ يُتَصَوَّرُ أن يصير فيه جَدَّاً: بأن يبلغ اثني عشر سنةً، ويولد له لستة أشهر، ويبلغ ولده لاثني عشر سنةً ويولد له لستة أشهر. والمراد من الآية الأولى أموالنا لا أموالهم، والآية


(١) سورة النساء، الآية: (٥).
(٢) سورة النساء، الآية: (٦).
(٣) سورة النساء، الآية: (٢).
(٤) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>