للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أنه كان يأبى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ببيع ماله حتّى يحتاج أن يبيعه عليه بغير ضاه.

والمشهور في حديث أَسَيْفع أن عمر قال: إني قاسمٌ ماله بين غرمائه. فيُحْمَل على أنه كان من جنس الدين، وإن ثبت البيع فإنما كان ذلك برضاه. ألا ترى أن القاضي لا يبيعه عندهم إلاّ عند طلب الغرماء، ولم يُنْقَل أنهم طالبوه بذلك، وإنما المنقول أنه ابتدأهم بذلك وأمرهم أن يغدوا إليه، فدلّ أن ذلك كان برضاه.

ويُحْجَر عندهم أيضاً بالسَّفَه، لأن النظر للسفيه واجبٌ حقّاً لإسلامه.

ولو حجر عليه القاضي فرُفِعَ ذلك إلى قاضٍ آخر فرفع الحَجْر عنه جاز، لأن الحَجْر من الأول ليس بقضاءٍ بل فتوى، لأن القضاء لقطع الخصومة بين المتخاصمين بالقضاء لأحدهما على الآخر، ولم يوجد ذلك. وحَجَر محمد على السَّفِيه بمجرد حدوث سَفَهه، اعتباراً بالصِّبا بلا توقّفٍ على حجر القاضي، ووافقه أبو يوسف عليه واعتبره بالمديون، فلو باع شيئاً قبل حجر القاضي نفذ عنده.

والأصل لهما، قوله تعالى: {فَإنْ كَان الّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهاً أوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (١) فهذا تنصيصٌ على إثبات الولاية على السفيه، ولا يكون ذلك إلاّ بعد الحجر عليه. وقال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ} إلى أن قال {واكْسُوهُم} (٢) ، وهذا تنصيصٌ على إثبات الحجر عليه بطريق النظر له.

وقصة حِبَّان بن مُنْقِذ الأنصاري وغُبْنِةِ في البيّاعات، وسؤال أهله النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يحجر عليه، فلو لم يكن الحجر بسبب التبذير في المال مشروعاً، لَمَا سأل أهلُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيه. وقد طلب (عليّ) (٣) من عثمان الحجر على عبد الله بن جعفر لمّا اشترى دار الضيافة بمئة ألفٍ، وخوف عبد الله من ذلك والتجاؤه إلى الزُّبَيْر، وشراء الزُّبَيْر منه نصفها بخمسين ألفاً احتيالاً منه لدفع الحجر (عنه) (٤) ، واعتذار عثمان بقوله: كيف أحجر على رجلٍ شريكه الزُّبَيْر؟. وإنما قال ذلك لأن الزُّبَيْر كان معروفاً بالكيَاسة في التجارة، فاستدل برغبته (في الشركة) (٥) على أنه لا غبن في تصرّفه.


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٨٢).
(٢) سورة النساء، الآية: (٥).
(٣) في المخطوط: عيينة والمثبت في المطبوع.
(٤) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط.
(٥) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>