للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ابن مالك، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَجَر على مُعَاذ ماله في دين كان عليه. وعن عبد الرحمن بن كعب قال: كان مُعَاذ شاباً سخيّاً، وكان لا يمسك شيئاً. فلم يزل يداين حتّى أغرق ماله في الدين، فأتى غرماؤه النبيّ صلى الله عليه وسلم فكلَّموه، فباع صلى الله عليه وسلم ماله حتّى قام مُعَاذ بغير شيءٍ.

ولِقَوْل عمر بن الخطَّاب: «أيها الناس إياكم والدَّيْن، فإن أوله همٌّ وآخره حزنٌ. وإن أُسَيْفع جُهَيْنة قد رضي من دِينه وأمانته أن يُقَال: سَبَقَ الحاجَّ فادَّانَ مُعْرِضاً (١) فأصبح قد رِينَ به، إلاّ أني بائعٌ عليه ماله وقاسمٌ ثمنه بين غرمائه بالحصص، فمن كان له عليه دين فَلْيَغْدُ». فلم يُنْكِر عليه أحد من الصحابة، فكان هذا اتفاقاً منهم على أنه يُبَاع على المديون ماله. وقوله فادَّانَ مُعْرِضاً: أي استدان مُعْرِضاً: وهو الذي يعترض (٢) الناس فيستدين ما وجد، ممّن وَجَد، مهما أمكنه، ولا يبالي ممّن تبعه. وقوله: رِيْنَ: أي غلب، يُقَال: رِين بالرجل رَيناً: إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه، ومنه قوله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (٣) .

وأبو حنيفة استدلّ بقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلاّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (٤) ، وبيع المال على المديون بغير رضاه ليس بتجارةٍ عن تراضٍ. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحلّ مال امراءٍ مسلمِ إلا بطيب (نفسٍ منه» (٥) . و) (٦) نفسه لا تطيب ببيع القاضي ماله عليه، فلا ينبغي له أن يفعله لهذا الظاهر. والدليل عليه أنه يحبسه بالاتفاق. ولو جاز له بيع ماله لم يشتغل بحبسه، لِمَا فيه من الإضرار به وبالغرماء من تأخير وصول حقّهم إليهم. وتأَوَّل حديث مُعَاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم باع ماله بسؤاله، لأنه لم يكن في ماله وفاء (بِدَين) (٧) ، كقصة جابر في غرمائه (٨) . وهذا لأنه عندهم يأمره القاضي أولاً ببيع ماله، فإذا امتنع منه يبيعه. ولا يظن


(١) في المطبوع: مقرضًا، والمثبت من المخطوط. وهو الصواب انظر موطأ الإمام مالك ٢/ ٧٧٠، كتاب الوصية (٣٧)، باب جامع القضاء وكراهيته (٨)، رقم (٨).
(٢) في المطبوع: يقرض، والمثبت من المخطوط.
(٣) سورة المطفّفين، الآية: (١٤).
(٤) سورة النساء، الآية: (٢٩).
(٥) أخرجه الإمام أَحمد بن حنبل في مسنده ٥/ ٧٢.
(٦) ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع.
(٧) ما بين الحاصرتين من المخطوط، وحُرِّفت في المطبوع إلى: بينة.
(٨) في المخطوط: تمر حائطه، والمثبت في المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>