للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعِشَاءِ مِنْهُ، والوِتْرِ بَعْدَهُ إلى الفَجْرِ لَهُمَا.

===

(والعِشَاءِ) أي وقت صلاة العشاء الآخرة (مِنْهُ) أي من غروب الشَّفق (والوِتْرِ) أي وقته (بَعْدَهُ) أي بعد العشاء (إلى الفَجْرِ لهمَا) أي للعشاء والوتر، ويحتمل الظرف، أعني بعد أن يكون خبراً عن الوِتر، كما أن الجار والمجرور ـ أعني منه ـ خبر عن العشاء، فيكون المذكور قول أبي يوسف ومحمد: أن وقت الوِتر بعد وقت العشاء، ويحتمل أن يكون الوِتر معطوفاً على العشاء مشاركاً له في الخبر، ويكون الظرف ـ أعني بعده ـ في محل النصب على الحال، فيكون المذكور قول أبي حنيفة: أن وقت الوتر والعشاء واحد، لأن الوِتر فرض عنده، والوقت إذا جمع بين فرضين كان لهما كقضاء وأداء اجتمعا وإنما امتنع تقديم الوتر على العشاء عند التذكُّر لوجوب الترتيب.

ولهما: ما روى أبو داود، والترمذي، وابن ماجه بسندٍ حسنٍ عن خَارجة بن حُذَافة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّ الله أمدَّكم بصلاة هي خير لكم من حُمْر النَّعَم، وهي الوِتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر»، وفي رواية الطحاوي: «إن الله زادكم صلاة». وروى أحمد في «المسند» عن مُعَاذ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «زادني ربي صلاةً وهي الوتر، فوقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر».

وقد صنَّف الشيخ علم الدين السخَاوي المُقْرِاء (١) ، تلميذ الشَّاطِبِيّ جزأً ساق فيه الأحاديث التي دلت على فرضية الوتر، ثم قال: فلا يرتاب ذو فَهْم بعد هذا أنها أُلْحِقت بالصلوات الخمس في المحافظة عليها، والجواب عن حديث الأعرابي ظاهر، فإنه كان قبل وجوب الوِتر. وفي قوله: «زادكم» إشارة إلى أنها متأخرة عن الصلوات الخمس. وأما الجواب عن فعله صلى الله عليه وسلم إياه على الرَّاحلة، وكذا ابن عمر، فقد روى الطحاوي عنه: أنه كان يصلِّي على راحلته، ويوتر بالأرض. ويَزْعُمُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل (الوتر) (٢) ، وما روي عنه ما يخالف ذلك كان قبل تأكده ووجوبه، أو محمول على عذرٍ به في ركوبه.

وثمرة الخلاف تظهر فيمن صلى الوتر قبل العشاء ناسياً، أو صلاهما مُرَتَّبتين، ثم ظهر فساد العشاء دون الوتر، فعند أبي حنيفة تُعاد العشاء وحدها، لأن الترتيب يسقط بمثل هذا العذر، وعندهما يُعاد الوتر أيضاً، لأنه تَبَعٌ للعشاء، فلا يصح قبلها.

هذا، وفي الطَّحَاوي: وأن ابن جُرَيج قال لأبي هريرة: «ما إفراط


(١) ولد سنة ٥٥٨ هـ، وتوفي سنة ٦٤٣ هـ. انظر "معجم المؤلفين" ٢/ ٥١١.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>