الحُمْرة، وفي الحَضَر البياض، لقوله عليه الصلاة والسلام:«وآخر وقت المغرب إذا اسودّ الأفق». أبو داود من حديث أبي مسعود الأنصاري، وفيه:«ويصلِّي العشاء حين يسودّ الأفق»، وهو مرويٌ عن أبي بكر، ومُعَاذ بن جبل، وعائشة، ورواية عن ابن عباس، وبه قال عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، واختاره ثَعْلَب.
وأما ما روى الدَّارَقُطْني عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشَّفقُ الحُمْرة، فإذا غاب الشفق، وجبت الصلاة» فقال النَّووي: ليس بثابت، وما رواه موقوفٌ على ابن عمر. ذكره مالك في «الموطأ».
هذا، وفي رواية عن مالك والشافعي: أن وقت المغرب مقدار ما يتوضّأ ويصلي خمس ركعات، لأنَّ جبرائيل أمَّ في المغرب في يومين في وقتٍ واحدٍ.
وقال أبو يوسف، ومحمد، ومالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور الفقهاء، وأهل اللغة:(هُوَ الحُمْرَةُ) وهو رواية أسد بن عمرو، عن أبي حنيفة (وبِهِ يُفْتَى) لِمَا روى مسلم من حديث ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «وقت المغرب ما لم يسقط ثَوْرُ الشفق». وهو بالمثلثة المفتوحة: ثَوَرَان حُمْرَته. ورواه أبو داود:«فور الشفق»، وهو بقية حُمْرته، وسُمِّي فوراً لفورانه وسطوعه، وصحَّفه بعضهم فقال: نُور الشفق، بالنون، ولو صحّت الرواية، لكان له وجه حكاه المُنْذِري في «الحواشي». وقال الخَطَّابي:«فَوْر الشفق»: فَوَرَانه. والحديث حُجَّة على مالك والشافعي في تقديره بسَتْرٍ ووضوء، وأذانين، وخمس ركعات (١) .
وروى الدَّارَقُطْنِي في «سننه» عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشَّفق الحُمْرة»، لكن قال البَيْهَقِي: رُوِيَ هذا عن عمر، وعلي، وابن عباس، وعُبَادة بن الصّامت، وشدَّاد بن أوْس، وأبي هريرة، وعليه إطباق أهل اللسان، ولا يصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه شيء. انتهى.
وقد نُقل رجوع الإمام إلى هذا القول، لِمَا ثبت عنده من حمل عامة الصحابة الشَّفق على الحُمَرة. واعلم أنَّ قول أبي حنيفة أولاً وافقه زُفَر، لأنه من أثر النهار، وهو قول أبي بكر الصديق، وأنس بن مالك، ومُعاذ بن جَبَل، وعائشة، وأُبَيّ، وابن الزُبَيْر، ورواية عن ابن عباس، وبه قال عُمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهم، واختاره المبرَّد وثَعْلب اللغويان، وهو الأحوط في جانب العشاء.
(١) بسَتْرٍ: أي ستر العورة. هذا، والمفتي به عند الشافعية: "ويبقى وقتها حتى يغيب الشفق الأحمر". انظر: "نهاية المحتاج" ١/ ٣٦٦ - ٣٦٨.