وَالعِشَاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ، والوِتْرِ إلَى آخِرِهِ، لِمَنْ يَثِقُ بالانْتِبَاهِ
===
خَدِيج مثله. وأما ما روياه فكان أحياناً، وهو جائز اتفاقاً.
(وَ) تأخير (العِشَاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ) وفي «مختصر القُدُورِي»: إلى ما قبل ثُلُثه.
وجه الأول: ما رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا أنْ أشُقَّ على أمّتي، لأخَّرْتُ العشاء إلى ثُلُث الليل أو نصفه». و «أو» تحتمل الشك أو التنويع، فالثلث في الصيف، والنصف في الشتاء، ويؤيد ما روى البخاري عن أنس:«أخَّر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء إلى نصف الليل، ثم قال: قد صلّى الناس وناموا، أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها».
ووجه الثاني: ما روى البخاري من حديث عائشة قالت: «كانوا يصلون العَتَمَة ـ أي العشاء ـ فيما بين أن يغيب الشَّفق إلى ثُلُث الليل». وما روى الترمذي والنَّسائي أنه عليه الصلاة والسلام قال:«لولا أن أشُقَّ على أمّتي، لأمرْتهُم بالسواك عند كل صلاة، ولأخَّرت العشاء إلى ثُلُث الليل». والظاهر أن الغاية غير داخلة. وفي حديث ابن عباس:«أنه عليه الصلاة والسلام أخّرَ العشاء حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فقال عمر: يا رسول الله، نام النساء والولدان، فخرج فقال: لولا أن أشقَّ على أمّتي، لأمرْتهم أن يصلّوا العشاء في هذه الساعة». رواه الشيخان.
وقيل: يستحب تعجيل العشاء في الصيف لئِلا يتقلّل الجماعة، أو لأنَّ الليل قصيرٌ. ثم تأخير العشاء إلى ما بعد نصف الليل مكروه، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنهما، إلا حديثاً في خير لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا سمر بعد الصلاة ـ يعني العشاء الأخيرة ـ إلا لأحد رجلين: مصلَ أو مسافر». وفي رواية: أو «عروس»، رواه الإمام أحمد. ولقول عمر:«كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ عند أبي بكر الليلة في أمر المسلمين وأنا معه». رواه الترمذي وحسَّنَه.
وأما قول صاحب «الهداية»: لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تزال أمتي بخير ما عَجَّلوا المَغْرِبَ وأخَّرُوا العشاء»، فغير معروف بهذا اللفظ، نعم روى أبو داود عن أبي أيوب مرفوعاً قال:«لا تزال أمّتي بخير ـ أو قال على الفطرة ـ ما لم يؤخِّروا المغرب إلى أن تَشْتَبِكَ النجوم».
(و) تأخير (الوِتْرِ إلَى آخِرِهِ) أي إلى آخر الليل (لِمَنْ يَثِقُ بالانْتِبَاهِ) لما روى مسلم من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من خاف أن لا يقوم آخر الليل، فليوتر أوله، ومن طَمِعَ أن يقوم آخر الليل، فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة،