للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَأْخِيرُ العَصْرِ ما لَم تَتَغَيَّرْ،

===

وأما حديث: «أول الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله» (١) ، فإنما يعرف بيعقوب بن الوليد، وقد كَذَّبه أحمد بن حنبل، وسائر الحفّاظ. قال البَيْهَقِيّ في «المعرفة»: وإنما يروي عن أبي جعفر محمد بن عليّ من قوله، ولئن صحَّ، فليس على عمومه لِمَا سبق من إبراد الظهر المجمع عليه، وإسفار الفجر المصرح لديه، وبظاهر الدلالة على المُدَّعى، لعدم استلزامه التقصير، لقوله تعالى: {ويَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ العَفْوَ} (٢) أي الفضل، أي ما يتفضَّل عنكم.

والمعنى: أن الصلاة في آخر الوقت لها فضل كثير، والحق أن يقال: المراد بأول الوقت: الوقت المختار، فإن الأول الحقيقي كاد أن لا يلحقه كل أحد. ثم ظاهر التقسيم أن أول الوقت يمتد إلى نصفه، لكن جاء في رواية: «وأوسطه رحمة الله» (٣) ، فيكون الأول إلى ثلثه.

(وتَأْخِيرُ العَصْرِ) سواء كان في الصيف أو الشتاء (ما لَمْ تَتَغَيَّرْ) أي الشمس، وهو تغير قُرْصها عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، بحال لا تحار فيها الأعين، وهو مروي عن الشَّعْبي، لا تغير ضوئها كما قاله الحاكم الشهيد، وهو مروي عن محمد.

وقال مالك والشافعي: تقديمه أفضل لقول أنس: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّي العصر، فيذهب الذاهب إلى العَوَالي والشمس مرتفعة». قال الزُّهْرِيّ: والعَوَالي على ميلين من المدينة وثلاثة، وأحْسَبُه قال: وأربع. ولحكاية رافع بن خَدِيج: «كنّا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ثم ننحر الجَزُور (٤) ، فَتُقْسَم عشرة قِسَم، ثم نطبخ، فنأكل لحماً نضيجاً قبل أن تغرب الشمس». رواهما الشيخان والطّحاوي.

ولنا ما رواه الترمذي عن أم سَلَمةَ أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلاً للعصر منه». ولما رواه أبو داود أنه: «عليه الصلاة والسلام كان يؤخّر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية». ورواه الدَّارقُطْنِيّ عن رافع بن


(١) رواه الدارقطنى في السنن ١/ ٢٤٩، كتاب الصلاة (٤)، باب النهى عن الصلاة بعد الصلاة الفجر … ، رقم (٢١) والترمذي في سننه ١/ ٣٢١، كتاب الصلاة (٢)، باب ما جاء في الوقت الأول (١٣)، رقم (١٧٢). ولفظ الترمذي: (الوقت الأول من الصلاة … ).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢١٩).
(٣) أخرجه الدارقطني في سننه ١/ ٢٤٩ - ٢٥٠، كتاب الصلاة (٤)، باب النهى عن الصلاة بعد الفجر … ، رقم (٢٢).
(٤) الجَزور: البعير ذكرًا كان أو أنثى. النهاية: ١/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>