وكذلك رُوِيَ، عن ابن المبارك. وروى ابن دقيق العيد في «الإمام» عن عُقْبة بن عامر قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ نصلّي على موتانا عند طلوع الشمس.
(إلاَّ عَصْرَ يَوْمِهِ) هذا استثناء من عدم جواز الصلاة وقت الغروب، فإنَّ عصر اليوم يجوز في وقت الغروب من غير كراهة في أدائها، وإنما الكراهة في تأخيرها، والفرق بين عصر اليوم ـ حيث يجوز عند الغروب ـ وفجر اليوم ـ حيث لا يجوز عند الطلوع ـ أنَّ سبب الصلاة جزءٌ من وقتها مُلَاقٍ لأدائها، وآخر وقت العصر وهو وقت التغير ناقص، لأنه وقت كراهة، وإذا شرع فيه، فقد وجبت ناقصة، فلا تفسد بطروء الغروب الذي هو وقت الفساد للملائمة بينهما في النقصان. وأما الفجر فإنَّ جميعَ وقتها كامل، فإذا شرع فيها، فقد وجبت كاملة، فتفسد بطروء الطلوع الذي هو وقت الفساد لعدم الملائمة بينهما.
فإن قيل: روى الجماعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أدرك ركعةً من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعةً من العصر قبل أنْ تغرُبَ الشمس، فقد أدرك العصر». أجيب بأنَّ التعارض لما وقع بين هذا الحديث، وبين النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة، رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض، فَرَجَّحنا حكم هذا الحديث في صلاة العصر، وحكم النهي في صلاة الفجر. وذهب الطَّحاوي إلى عدم جواز عصر يومه كالفجر، لِئَلا يلزم العمل ببعض الحديث وترك بعضِه، مع أنَّ النقص قارن العصر ابتداءً، والفجر بقاءً.
ورُوِيَ عن أبي يوسف جوازُ الفجر أيضاً إذا أمسك عن تكميلها عند طلوع الشمس، وهو فيها، وكمَّلها بعد طلوعها، لأنه لم يَتَحرَّ بها طلوعها، وامتثل الأمر بالإمساك عنها، وتأخّرها حتى تبرز، ولم يوجد التشبه الحقيقي بعبُّادها. وذلك لما روى الطَّحاوي عن ابن عمر (١) عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تَحَرَّوا بصلاتكم عند طلوع الشمس ولا غروبها، وإذا بدأ حاجب الشمس، فأخِّروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس، فأخِّروا الصلاة حتى تغيب».
أقول: ومما يؤيد أصل المذهب ظاهر حديث الحاكم: «من صلّى ركعة من الصبح، ثم طلعت الشمس، فليصل الصبح»، أيْ قضاءً وإلاَّ لقال:«فليتِمه». وأما صحّة
(١) في المطبوع: ابن مسعود، والمثبت من المخطوط، وهو الصواب لموافقته لما في "شرح معاني الآثار" ١/ ١٥١ و ١٥٢.