للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في وَقْتِهَا، ويُعَادُ لَوْ أُذِّنَ قَبْلَهُ

===

لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُوْدِيَ للصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ} (١) ، ويعُمُّ المصلّي ولو كان منفرداً، أداءً أو قضاءً، سفراً أو حضراً، بلا مشي وكلام فيهما، ولو كان ردَّ سلام لشبهةِ اتصال كلماتهما، واتحاد مكانهما.

وقيل: الأذان واجبٌ لقول محمد: لو أنَّ أهلَ البلدةِ أجْمَعُوا على ترك الأذان لقاتلتهم، ولو ترك واحد لضربته وحبسته. وأُجِيبَ بأن هذا لا يَدُل على الوجوب، لأنه قال أيضاً: لو ترك أهل بلدةٍ سنةً لقاتلتهم عليها، ولو تركها واحدٌ لضَرَبْتُه. وبأن السُّنة إذا كانت من الشعائر يقاتل عليها، والأذَانُ من الشعائر. ومما يدل على أن الأذانَ ليس بواجب: أنه عليه الصلاة والسلام عَلَّم الأعرابي الصلاةَ وما تتوقّف عليه، ولم يَذْكُر له الأذان. (في وَقْتِهَا) أي أوقات الفرائض، سواء كان وقتها لأدائها أو لقضائها.

(ويُعَادُ) أي الأذان (لَوْ أُذِّنَ قَبْلَهُ) أي قبل وقت الأداء لعدم الاعتداد بما قبله. وقال مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف: يَجُوز الأذانُ للفجر وحده قبل وقته في النصف الأخير من الليل، لما في الصحيحين عن ابن عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن بلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلوا واشْرَبوا حتى تَسْمَعُوا أذانَ ابن أُمِّ مَكْتُوم».

ولنا ما روى مسلم من حديث عائشة قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلّي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان، ويخفّفهما». وما أخْرَجَه الطَّحَاويّ والبَيْهَقِيّ عن عبد الكريم الجَزِرِيّ، عن نافع، عن ابن عمر، عن حَفْصة بنت عمر: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ بالفجر، قام فصلّى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى المسجد، فحرَّمَ الطعام، وكان لا يُؤَذِّنُ حتى يصبحَ». وعبد الكريم الجَزِرِي قال فيه ابن معين، وابن المَدِينِي: ثَبْتٌ، ثِقَةٌ. وقال الثَوْرِي: ما رأيت مثلَه.

وروى أبو داود عن موسى بن إِسماعيل، وداود بن شَبيب قال: أَخْبَرَنا حمّادٌ، عن أيوبَ، عن نافعٍ، عن ابن عمر قالا: «إن بلالاً أذَّنَ قبل طلوع الفجر، فأَمَرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَرْجِعَ فينادي: ألا إنَّ العبدَ نام»، زاد موسى: «فَرَجَعَ فنادى». وروى البَيْهَقِيّ عن ابنِ عمر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «ما حَمَلَكَ على ذلك؟ قال: اسْتَيْقَظْتُ وأنا وَسْنَان (٢) ،


= رقم (٩١٢)، ولفظه: "كان النداء يوم الجمعة، أوّلُهُ إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه، وكَثُرَ الناس، زاد النداء الثالث على الزَّوراء".
والزوراء: دار عثمان بن عفان رضي الله عنه بالمدينة. "معجم البلدان" ٣/ ١٥٦.
(١) سورة الجمعة، الآية: (٩).
(٢) الوَشنَان: النائم الذي ليس بِمُسْتَغْرِق في نومه. النهاية: ٥/ ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>