للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فظننت أنَّ الفجر قد طلع، فأمره النبيّ صلى الله عليه وسلم أن ينادي على نفسه: ألا إنَّ العبدَ قد نام».

وروى الدَّارَقُطْنِي عن أبي يوسف القاضي، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قَتَادة، عن أنس: «أن بلالاً أذَّنَ قبل الفجر، فأَمَرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَصْعَدَ فينادي: إنَّ العبدَ قد نام، فَفَعَلَ، وقال: ليت بلالاً لم تَلِدْهُ أُمّهُ، وابتل مِنْ نضح دم جبينه». وفي رواية قال: «إنَّ العبدَ قد نام» مرتين. لكن قال أبو داود: ورواه الدَّرَاوَرْدِيّ (١) : عن عُبَيْد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: «كان لعمر مُؤَذِّنٌ يقال له: مسعود»، فذكر نحوه. قال: هذا أصح من ذاك (٢) . قلت: ولا يبعد تعدد القضية.

وقد روى أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام قال لبلال: «لا تُؤَذِّن حتى يستبين لك الفجر هكذا»، ومدّ يده عرضاً. وأعَلَّهُ البيهقيُّ بالانقطاع، وهو غير مضرَ عندنا، ويَعْضُدُهُ ما رواه الطّحاوِيّ عن أبي ذر: أنه عليه الصلاة والسلام قال لبلال: «إنَّك تُؤَذِّنُ إذا كان الفَجْرُ ساطعاً، وليس ذلك الصُّبْح، إنما الصبحُ هكذا مُعْتَرِضاً». وروى أبو داود بإسنادٍ كل رجاله ثقاتٌ: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يا بلال لا تُؤَذِّن حتى يَطْلُعَ الفجر». وقال الطّحَاوِيّ: حديث: «إنَّ بلالاً يُؤَذِّنُ بليل»، على أنَّ الأذانَ كان منه على ظَنِّ طلوع الفجر، ولم يُصِبْ في طلوعه». قال: لِمَا روينا عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا يَغُرَّنَّكم أذانُ بلال، فإن في بصره سوأً».

ولما روينا عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام قال: «بلالٌ ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم.

قالت: ولم يَكُنْ بينهما إلا مقدار ما يَنْزِلُ هذا ويَصْعَدُ هذا». قال: فلما كان بين أذانيهما من القُرْب ما ذكرنا، ثبتَ أنهما كانا يَقْصِدَان طلوع الفجرِ، لكن بلال يُخْطِئه، وابن أم مكتوم يصيبه، لأنه لم يكن يُؤَذِّنُ حتى يقولَ له الجماعة: أصبحت.

وفي «الإمام» لابن دقيق العيد: والتعارضُ بينهما لا يتحقق إلا بتقدير أن يكون قوله: «إنَّ بلالاً يؤذن بليل» في سائر العام، وليس كذلك، وإنما كان ذلك في رمضان، يعني بدليل قوله: «كلوا واشربوا».


(١) حُرِّفت في المخطوطة إلى: الدارقطني. والصواب ما أثبتناه من المطبوعة وسنن أبي داود ١/ ٣٦٥، كتاب الصلاة (٢)، باب في الأذان قبل دخول الوقت (٤٠)، رقم (٥٣٣).
(٢) أي أصح من رواية ثانية عند أبي داود نفسه - في الموضع السابق - قال فيها: إن مؤذنًا لعمر يقال له: مسروح أو غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>