للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويَتَرَسَّلُ فِيهِ مُسْتقْبِلًا، وأُصْبعَاهُ في أُذُنَيْهِ،

===

والأظهر أن يقال: إن أذان بلال حينئذٍ كان للإعلام بوقت السحور والتَهجُّد ونحوهما، سواء كان بألفاظ الأذان أو بغيرها، على أنَّه إنَّما يتم الاستدلال به لو اكتفى بالأذان الأول، ولم يقع ذلك أصلاً. ثم رأيت البخاري ومسلماً والطَّحَاوِيّ أخرجوا عن ابن مسعود: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَمْنَعَنَّ أحدَكم أذانُ بلال من سَحوره، فإنه يؤذن ـ أو قال: ينادي ـ بليل، لِيَرجِعَ قائِمكُم، ويَنْتَبِهَ نائِمكُم» وذلك لأن الصحابة كانوا فرقتين: فرقةٌ يَتَهَجَّدُون في النصف الأول من الليل، وفرقةٌ في النصف الأخير منه، وكان الفاصل أذان بلال، وإنما كانت الصلاة بأذان ابن أم مكتوم.

ومما يدلّ على أن الأذان لم يكن مرتين ما رواه الأوْزَاعِي، عن الزّهْرِي، عن عُرْوة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المُؤَذِّن بالأذان الأول من صلاة الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين، وأرادت بالأذان الأول احترازاً من الإقامة.

(ويَتَرَسَّلُ) أي يتمهَّل (فِيهِ) أي في الأذان، بأن يفصل بين كل جملتين منه بسكتة يسع فيه الإجابة. لما روى الترمذي والحاكم في «مستدركه». عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «إذا أذَّنْتَ فترسَّل، وإذا أقمت فاحْدُر (١) ، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكْلِهِ، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته». وروى الطَّبَرَاني في «سننه» عن سُوَيد بن غَفَلة قال: سمعت عليّ بن أبي طالب يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أنْ نترسَّلَ الأَذانَ، ونَحْدُرَ الإقامة.

(مُسْتَقْبِلاً) لما روينا من استقبال المَلَكِ بهما (وأُصْبَعَاهُ في أُذُنَيْهِ) لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أذَّنْتَ فاجعل أُصْبَعيك في أُذُنَيْكَ، فإنَّه أرفع لصوتك» رواه الطَّبَرَانيّ. ولما روى الحاكم في «المستدرك» عن سعد القَرَظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل أُصْبَعَيه في أُذُنيه، وقال: «إنه أرفعُ لصوتك»، وسعد القَرَظ مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقُباء، وسمّي بذلك لأنه كان يتّجر في القَرَظ ـ محرّكة، وهو: ورق السَّلَم يُدْبَغُ به ـ فربح فيه، فلزمه فأُضِيفَ إليه: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين غير سعد، وهم: بلال، وابن أم مكتوم وأبو مَحْذُورَة، وهو مؤذنه بمكة.

وأما قول صاحب «الهداية»: وإن لم يفعل، ـ يعني جعل أصبعيه في أذنيه ـ فحسن، لأنها ليست بسنة أصلية، ففيه نظر، لما تقدّم من الأحاديث الصحيحة، مع لفظ الأمر.


(١) احْدُر: أي أَسْرِع. النهاية: ١/ ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>