(ولا يَلْحَنُ) من باب التفعيل، أي لا يتغنّى فيها، بأن نَقَّصَ من الحروف، أو من كيفياتها، وهي الحركات والسَّكنات، أو زاد في شيء منهما. وأما مجرد تحسين الصوت فهو حسن.
رُوِيَ أن رجلاً جاء إلى ابن عمر فقال: إني أحبك في الله، فقال: إني أبغضك في الله، قال: لِمَ؟ قال: بَلَغَنِي أنك تغنِّي في أذانك. وفي «الخلاصة»: ولا بأس بالتحسين من غير تغنَ، فإن تغنّى بِلحْنٍ أو مدَ، أو ما أشبه ذلك يكره، وكذا لو قرأ القرآن. قال شمس الأئمة الحَلْوَانيّ: هذا في الأذكار، أي الوارد في الأذان، وكذا في غيره من الأذكار. قال: فأمَّا قوله: حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، فلا بأس بإدخال مد ونحوه فيه. انتهى.
وفيه بحث لا يخفى، ويستحب المبالغة في رفع الصوت المُؤَذَّن به، لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يسمع مدى صوت المُؤذِّن جِنٌ، ولا إنسٌ، ولا شيء إلا شَهِد له يوم القيامة». رواه البخاري.
(ولا يُرَجِّعُ) بتشديد الجيم وكسرها بأن يقول الشهادتين بصوت خَفِيّ، ثم يقولهما بصوتٍ عالٍ. وقال مالكُ والشافعيُّ، وهو رواية عن أحمد: يُرَجِّع، لما رَوَى أبو داود عن أبي مَحْذُورَة، قال:«قلت يا رسول الله: عَلِّمْنِي سنةَ الأذانِ قال: تقول اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، ثم تقول: أشْهَدُ أنَّ لا إله إِلاَّ الله، أشْهَدُ أَنَّ محمّداً رسول الله، وتَخْفِضُ بهما صوتَك، ثم تَرْفَعُ صوتَك بهما».
ولنا: أن حديث عبد الله بن زيد أصلُ الأذان، ولا ترجيع فيه. وقال أحمدُ بنُ حنبلَ: وهو آخِرُ الأمرين، قيل له: إنَّ أذان أبي مَحْذُورَة بعد فتح مكة، قال: أليس قد رَجَع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فَأَقَرَّ بلالاً على أذانِ عبد الله بن زيد.
وروى الطَّبَرَانِيّ في «الأوسط» عن إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي مَحْذُورَة قال: سمعت جدي عبد الملك بن أبي مَحْذُورَة يقول: سمعت أبي ـ أبا مَحْذُورَة ـ يقول: أُلْقِيَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفاً حرفاً، الله أكبر، الله أكبر … إلى آخره، ولم يَذْكُر فيه ترجيعاً. وأمَّا ما قيل: إنَّ بلالاً رَجَّع، فلم يَصِحَّ، وعدم الترجيع في أذان غير أبي مَحْذُورَة دليلٌ على عدم كَوْنِه من أجزاء الأذان، أو أنَّه من خصائصه لأمرٍ قام به من عدم رفع صوته أولاً، أو على نسخه، ودوامه عليه للتبرك به، فإذا تَعَارضا تساقطا، وتُرَجَّح رواية عدمه.