ويُحَوِّلُ وَجْهَهُ في الحَيْعَلَتَيْنِ يَمْنَةً ويَسْرَةً.
وإنْ لَمْ يَتمَّ الإعْلامُ يَسْتَدِيرُ في المِئْذَنَةِ. والإقَامَةُ مِثْلُهُ،
===
(ويُحَوِّلُ) أي يدير (وَجْهَهُ) أي لا قدميه ولا صدره (في الحَيْعَلَتَيْنِ) أي عند قوله: حيَّ على الصلاة وحيَّ على الفلاح (يَمْنَةً ويَسْرَةً) بفتح أولهما بأنْ يقول: حيَّ على الصلاة مرتين في اليمين، وحيَّ على الفلاح في اليسار مرتين، لِمَا رَوَى الدَّارقُطْنِيّ في «أفراده» من حديث سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ عن بلال قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذَّنَّا أو أقَمْنَا أن لا نزيل أقدامنا عن مواضعها. ولما رَوَى الجماعة من حديث أبي جُحَيْفَة: أنَّه رأى بلالاً يُؤذِّنُ قال: فَجَعلت أتَتَبَّعُ فاهُ ههنا وههنا بالأذان، يقول يميناً وشمالاً: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح.
ولما في «مسند الإمام إسحاق بن رَاهُويَه»: أخْبرنَا أبو معاوية: حدَّثنا الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، جاء عبد الله بن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنِّي رأيْتُ رجلاً نزل من السماء فقام على جِذْمِ (١) حائط، فاستقبل القِبلة وقال: الله أكبر، الله أكبر، أشْهَدُ أنْ لا إله إلاَّ الله مرتين، أشهد أنَّ محمداً رسول الله مرتين، ثم قال عن يمينه: حيَّ على الصلاة مرتين، ثم قال عن يساره: حيَّ على الفلاح مرتين، ثم استقبل القبلة، فقال: ألله أكبر، ألله أكبر، لا إله إلاَّ الله، ثم قَعَد قَعْدَة، ثم قام فاستقبل القبلة، ففعل ذلك، وقال: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة.
(وإنْ لَمْ يَتِمَّ الإِعْلَامُ) أي بتحويل وجهه مع الثبات في محله (يَسْتَدِيرُ) أي لتمام الإعلام (في المِئْذَنَةِ) بكسر الميم وسكون الهمزة، ويُبَدِّل موضع الأذان من المنارة وغيرها، ولم يكُنْ في زمنه صلى الله عليه وسلم منارةٌ. فقد رَوَى أبو داود من حديث عُروةَ بنِ الزُّبَيْر عن امرأة من بني النَّجّار قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المَسجد، فكان بلالٌ يأتي بِسَحَرٍ يَجْلِسُ عليه، فينظر إلى الفجر، فإذا رآه أذَّنَ.
(والإقَامَةُ مِثْلُهُ) أي مثل الأذان في كونه سنةَ الفرائض، وفي عدد كلماته وفي ترتيبها، لِما روى الترمذيُّ عن عبد الله بن زيد أنَّه قال: كان أذانُ رسول الله صلى الله عليه وسلم شَفْعاً شَفْعاً، في الأذان والإقامة. ولما روى الترمذيُّ وقال: حسنٌ صحيحٌ، عن أبي مَحْذُورَة قال: علَّمَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمةً، والإقامة سبع عشرةَ كلمةً، وإنَّما قال: تسعَ عشرةَ كلمةً لأجل الترْجِيع، وقد سبق الكلام عليه.
وروى الطحاويُّ والبيهقيُّ في «الخلافيات» عن أبي العُمَيس قال: سمعت
(١) الجِذْمُ: الأصل، أراد بَقِيَّة حائط أو قطعة من حائط. النهاية: ١/ ٢٥٢.