للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسْتِقْبَال القِبْلةِ،

===

الصلاة، أجيب: بأنَّ العبرةَ لعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وعند كل مسجد عام، فلا يختص بالمسجد الحرام، وفيه بحث إذ الستر في الطواف واجبٌ عندنا حتى لو طاف عُرياناً أَثِمَ وحُكِمَ بسقوطه، وفي الصلاة فرضٌ حتى لا تصح بدونه. ولا يمكن أن يُرَادَا من الآية لاستلزامها الجمع بين المعنى الحقيقي والمجازي معاً، لأنَّها إنْ كانت قطعية الدلالة فموجبها الافتراض، وإنْ كانت ظَنِّيَّة فالوجوب فقط. ومنهم من أخذ منها قطعية الثبوت، ومن حديث: «لا يَقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» (١) قطعية الدلالة، فيثبت الفرض بالمجموع، والله تعالى أعلم.

وفي «الخلاصة»: لو صلى في قميص واحدٍ محلول الجيب (٢) : إنْ كان بحالٍ يقعُ بصرُهُ على عورته لا تجوز صلاته، وكذا لو كان بحالٍ يقع بصرُ غيره عليه من غير تَكَلُّفٍ. كذا ذكره هشام عن محمد. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: إنَّ عورةَ الشخص ليست بعورة في حقّه. قلت: وهذا ضعيفٌ جداً للإجماع على بطلان مَنْ صلّى صلاة في بيت وحده أو في ظُلْمة من غير ستر عورةٍ إذا لم يكن عن عذر.

(واسْتِقْبَالُ القِبْلةِ) أي حال الأمن والقدرة لقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شْطَرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وحَيْثُ ما كُنْتُم فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (٣) أي إلى جانبه عيناً أو جهةً. قال بعض العارفين: قِبلةُ البَشَر الكعبة، وقِبلة أهل السماء البيت المعمور، وقِبلة الكَرُوبِيِّين (٤) الكرسي، وقِبلةُ حَمَلة العرش العرش، ومطلوب الكُلِّ وجهُ الله تعالى، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {فأيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (٥) .

واتفق العلماء على أَنَّه عليه الصلاة والسلام صلّى بالمدينة إلى بيت المقدس، ثم تَحَوَّل إلى الكعبة. والصحيح أَنَّه صلّى إليه سبعة عشر شهراً، واختلفوا كيف كانت صلاته قبل ذلك، فعن ابن عَبّاسٍ: فرض الله تعالى الصلاة ليلة الإسراء إلى بيت المقدس رَكْعَتين رَكْعَتين، والمَغْرِب ثلاثاً، فكان عليه الصلاة والسلام يصلّي إلى الكعبة، ووُجِّه إلى بيت المقدس، ثم زِيد في الصلاة بالمدينة حين صُرِفَ إلى الكعبة ركعتان إلاَّ المغرب. وعن ابن جُرَيْجٍ: «أول ما صَلَّى عليه الصلاة والسلام إلى الكعبة، ثم صُرِفَ إلى بيت المقدس ـ يعني قبل الهجرة ـ فصلَّتِ الأنصار قبل قدومه بثلاثٍ


(١) سنن أبي داود ١/ ٤٢١ - ٤٢٢، كتاب الصلاة (٢)، رقم (٦٤١).
(٢) الجَيْب: جيب القميص: ما يُدخل منه الرأس عند لُبْسه. المعجم الوسيط، ص ١٤٩، مادة (جيب).
(٣) سورة البقرة، الآية: (١٥٠).
(٤) الكرُوبيُّيون: المُقَرَّبون. النهاية: ٤/ ١٦١.
(٥) سورة البقرة، الآية: (١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>