للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقِبْلَةُ خَائِفِ الاسْتِقْبَالِ جِهَةُ قُدْرَتِهِ. وإنْ عَدِمَ مَنْ يَعْلَمُ القِبلَةَ تَحَرَّى

===

(وقِبْلَةُ خَائِفِ الاسْتِقْبَالِ) من عَدُوَ، أو سَبُعٍ، أو غَرَقٍ بأنْ كان على خشبة في البحر، فقبلة مبتدأٌ خبره (جِهَةُ قُدْرَتِهِ) لتحقق عجزه عن التوجه إلى قِبلته. وكذا المريض الذي لا قدرة له على الاستقبال، ولا يجد من يُوَجِّهُهُ إلى القِبلة. وكذا العاجز عن النزول عن دابة سائرة لخوفٍ، أو لمرضٍ أو لطين ورَدْغَةٍ (١) ، أو لنفورِها، وعدم وقوفها، أو لعجزه عن ركوبها بعد نزوله عنها.

وقِبْلةُ مَنْ بمكةَ إصابة عين الكعبة للمكي المشاهِدِ لها، لأنَّه الأصل، ولا حرج فيه. وقيل: يجب عليه إصابة عينها وإنْ كان بينه وبينها حائل لإمكان إدراكه. والأصح: أنَّه كالغائب، للزوم الحرج في إلزام حقيقة المُسَامَتَةِ (٢) في كل بقعة يُصَلِّي فيها، لأنَّ أدنى انحراف من القريب يُخْرِجُه عنها، كما هو مُشَاهَدٌ في المَشَاهِد. وأَغْرَب العَيْنِيُّ في قوله: وفَرْضُ عين الكعبةِ للمكيّ بالإجماع، حتى لو صلّى المكيُّ في بيته ينبغي أنْ يُصَلِّي بحيث لو أُزِيلَت الجدْرَان يقع استقباله على شطر الكعبة. انتهى. ولا يَخْفَى بين قوله: فرضٌ، وبين قوله: ينبغي.

هذا، وقد ذكر ابن الهُمَام: أنَّ في النَّظْمِ: الكعبةُ قبلة من بالمسجد، والمسجد قبلة من بمكّة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة العالم. قال المصنف ـ يعني صاحب «الهداية» ـ في «التجنيس»: هذا يُشِير إلى أَنَّ مَنْ كان بمعاينتها، فالشرط إصابة عينها. ومن لم يكن يعاينها، فالشرط إصابة جهتها. وهو المختار. انتهى كلام صاحب «الهداية»، والله الهادي في البداية والنهاية.

وأمّا النائي عنها فيكفي إصابة جهتها، ولا يُشْتَرط نية عينها عند عامة المشايخ وهو الصحيح. وقال الجُرْجَانِيّ: عين الكعبة، لأَنَّ النَّص لم يُفَصِّل بين مكة وغيرها في افتراض عينها، وبه قال الشافعي .. وأُجِيبَ بأنَّ التكليف على حسب الوسع: وهو في حق من ليس بمكة الجهة. لما رَوَى ابن ماجه والترمذي، وقال: حسنٌ صحيحٌ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما بين المشرق والمغرب قبلة».

(وإنْ عَدِمَ) أي لم يجد مريد الصلاة (مَنْ يَعْلَمُ القِبْلَةَ) وهو يجهلها بانطماسِ الأَعلام، وتراكم الظلام، وتَضَامِّ الغمام (٣) (تَحَرَّى) أي صلَّى إلى جهة اجتهاده لأَنَّها


(١) الرَّدْغَة: الوحل الكثير. المعجم الوسيط، ص: ٣٣٨، مادة (رَدَغَ).
(٢) المُسَامتة: المقابلة.
(٣) تضامّ الغمام: انضمُّ - أي اجتمع - بعضه إِلى بعضٍ. المعجم الوسيط، مادة (ضم)، ص: ٥٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>