للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَمْ يُعِدْ مُخْطِئٌ تَحَرَّى، بَلْ مُصِيبٌ لم يَتَحَرَّ. وإنْ تَحوَّلَ رَأْيُهُ مُصَلّيًا اسْتَدَارَ.

===

قبلته حيث يسع قدرته، لقوله تعالى {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} (١) أيْ قبلته كما ارتضاه. فإنَّ الآية نزلت في الصلاة حال الاشتباه. ولما رُوِيَ من طرق ضعيفة قد يُحَسَّنُ الحديث بتعددها: «أنَّ بعض الصحابة تَحرَّوا القبلة في ليلة مظلمة، وصلَّوا وخَطُّوا خطوطاً، فلما أصبحوا وجدوها لغير القبلة، فلم يأمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالإعادة». ولما رَوَى ابن ماجه والترمذيّ من حديث عَامِر بن رَبِيعة، عن أبيه، قال: «كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر»، زاد الترمذي: «في ليلة مظلمة، فَتغَيَّمَتِ السماء وأشْكَلَت القبلة، فصلّينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا لغير القِبلة، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}».

(ولَمْ يُعِدْ مُخْطِاءٌ تَحَرَّى) القبلة وصلى، ثم تبين خطؤه، لأنه أتى بالواجب في حقه: وهو الصلاة إلى جهة تحريه. وأوجب مالك إعادته في الوقت، والشافعي مطلقاً. (بَلْ) يعيد (مُصِيبٌ لم يَتَحَرَّ) بأنْ شَكَّ في القبلة، وصلّى من غير تحرَ، ثم تبين أنَّه أصاب، وهذا إذا تبين أنه أصاب وهو في الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد، خلافاً لأبي يوسف. وأمّا إذا تبين أنه أصاب بعد الفراغ، فصلاته جائزة بالاتفاق لحصول المقصود. وفي «الظهيرية»: الأعْمَى إذا صلى ركعة فأخطأ القبلة، فجاء رجل وسوَّاه يمضي في صلاته ولا يقتدي ذلك الرجل به. قال: وعندي هذا محمول على ما إذا لم يجد من يسأله.

(وإنْ تَحوَّلَ رَأْيُهُ) أي رأي المتحري حال كونه (مُصَلّياً اسْتَدَارَ) لأَنَّ تبدُّلَ الاجتهاد بمنزلة النسخ، لما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر، قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقُبَاء إذ جاءهم آتٍ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنْزِلَ عليه الليلة قرآن، وقد أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ القبلة فاسْتَقْبِلُوها، وكانت وجوههم إلَى الشام، فاستداروا إلى الكعبة». ورواه مسلم من رواية أنس وقال فيه: «فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلَّوا ركعة فنادى: أَلاَّ إنَّ القبلة حُوِّلت، فَمَالوا كما هم نحو الكعبة، واستحسنه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن الجَوْزِيّ: في السنة الثانية حُوِّلَتِ القبلة ـ يعني من الهجرة ـ قال: وقال محمد بن حَبِيبٍ الهَاشِميّ: «حُوِّلَتْ ـ يعني القبلة ـ الظهر يوم الثلاثاء، النصف من شعبان: زار رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بِشْر بن البَرَاء بن المَعْرُور في بني سَلَمَةَ، فتغدّى هو وأصحابه، وحانت الظهر، فصلى بأصحابه في مسجد القبلتين ركعتين من الظهر إلى


(١) سورة البقرة، الآية: (١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>