للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقَعْدَةُ الأَخِيرَةُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ،

===

بلفظ: «أُمِرَ العبد أنْ يسجد على سبعة آراب». وكذا الطحاوي بلفظ «السنن» وزاد: «أيُّها لم يضعه فقد انتقص». وقيل: يُسَنُّ وضع اليدين والركبتين لقوله عليه الصلاة والسلام: «مثَلُ الذي يُصلي وشعره معقوص (١) ، كمثل الذي يصلّي وهو مكتوف» (٢) ، فالتمثيل يدل على نفي الكمال دون نفي الجواز، ولأنَّ ماهية السجدة حاصلة بوضع الوجه والقدمين على الأرض، فكان وضع اليدين والركبتين متمّماً ومكمّلاً، لا داخلاً في الماهية.

فإنْ قيل: روى مسلم من حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أنْ أسجد على سبع، ولا أَكْفِتَ (٣) الشعر ولا الثياب ـ أي لا أضمهما ـ: الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين»، والمعدود فيه ثمانية أَعْظُم لا سبعة. فالجواب أنَّ الجبهة والأنف عضو واحد، لأن الجبهة هي العظم الذي منه الأنف. وروى الترمذي وقال: حسن صحيح، عن أبي حُمَيْدٍ: «أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد مَكَّنَ جبهته وأنفه من الأرض». ولو سجد على كَور عِمامته وطرف ثوبه جاز، خلافاً للشافعيّ.

ولنا حديث أنس قال: «كُنّا نصلّي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في شدّة الحر، فإنْ لم يستطع أحدنا أنْ يُمَكِّنَ جبهته من الأرض، بسط ثوبه فسجد عليه». رواه الشيخان وقال البخاريّ في «صحيحه»: قال الحَسَنُ: كان القوم يسجدون على العِمَامَةَ والقَلَنْسُوَة»، كذا ذكره علماؤنا. وليس نصَّاً في المُدَّعى كما لا يخفى، إذ الشافعيّ يمنع جواز السجدة على ملبوس المصلي لا مطلق الثوب إذا فُرِشَ وصُلِّيَ عليه، مع الاحتياج إلى تقريره عليه الصلاة والسلام أيضاً على فرض ثبوته وتقديره.

(والقَعْدَةُ الأَخِيرَةُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) أيْ مقدار ما يسع فيه قراءته إلى: «عبده ورسوله»، لا بقدر إيقاع لفظ السلام، كما قال مالك، فإنَّ السلام فرض عنده فيقدر محله وهو القعود بقدره. وزعم بعض مشايخنا أنَّ القدر المفروض من القعدة ما يأتي فيه بكلمتي الشهادة.

ثم القعدة الأخيرة فرض لا ركن خلافاً للشافعيّ، وإنّما كانت فرضاً لقوله تعالى:


(١) معقوص: أصل العقص: اللَّيُّ، وإدخال أطراف الشعر في أصوله. النهاية: ٣/ ٢٧٥.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه ١/ ٣٥٥، كتاب الصلاة (٤)، باب أعضاء السجود والنهى عن كف الشعر … (٤٤)، رقم (٢٣٢ - ٤٩٢).
(٣) في المخطوط: أكفف، والمثبت من المطبوع، وهو موافق لما في رواية مسلم ١/ ٣٥٥: كتاب الصلاة (٤)، باب أعضاء السجود والنهي ...... (٤٤)، رقم (٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>