وعن حديث أبي هريرة: أنَّ الخطيب أخرجه عن أبي أُوَيْس، واسمه عبد الله بن أُنَيْس قال: أخبرني العَلاء بن عبد الرحمن … وساق الحديث. ورواه الدَّارَقُطنِيّ، وابن عَدِيّ وقالا فيه:«قرأ» عِوَض «جهر»، وكأنه رواه بالمعنى، ولو ثبت هذا عن ابن أُنَيْس فهو غير محتج به لأنه لا يُحْتَجُّ بما انفرد به، فكيف إذا انفرد بما خالفه فيه من هو أوثق منه مع أنه مُتَكَلَّم فيه. فوثقه الدَّارَقُطْنِيّ وأبو زُرْعَة، وروى له مسلم في «صحيحه»، وضَعَّفه أحمد وابن مَعِين وأبو حاتم.
وعن حديث نُعَيم المُجْمِر: أنه معلول، فإنّ ذِكْرَ البسملة فيه مما تَفَرَّد به نُعَيم من بين أصحاب أبي هريرة، وأنه حَدَّث عن أبي هريرة:«أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة في الصلاة». وقد أعرض عن ذكرها في حديث أبي هريرة صاحب الصحيح. ولم يذكرها واحد منهما مع شدة حرص البخاري على معارضة الإمام أبي حنيفة بالأحاديث مهما أمكنه، بدليل ما أشحن به صحيحه.
ثم إنَّا بعد ذلك كله نَحْمِل أحاديث الجهر على أحد أمرين: إمّا أن يكون جَهَرَ بها لتعليم الإتيان بها، أو جَهَرَ جهراً يسيراً يسمعه مَنْ قَرُبَ منه.
فإن المأموم إذا قَرُبَ من الإمام، أو حاذاه يسمع ما يخافته، ولا يُسمَّى ذلك جهراً، كما ورد أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحياناً، أو يكون قبل الأمر بترك الجهر كما قدمنا عن سَعيد بن جُبَيْر.
(لا بَيْنَ الفَاتِحَةِ والسُّورَةِ) وقال محمد: يُسمِّي بينهما في السرية لا في الجهرية، لأنه إنْ خافت البسملة بينهما يكون سكتة ظاهرة في وسط القراءة، وإنْ جهر بها يكون جمعاً بين مخافتة البسملة أولاً، والجهر بها ثانياً. أقول: والأظهر أن يقرأها سراً ولو في الجهرية لأنها للفصل بين السورتين، ولا مانع من السكتة في وسط القراءة كما سيأتي في قوله آمين سراً.
(ويُسِرُّهُنَّ) أي الثناء والتعوذ والتسمية، لما روى محمد في «الآثار» عن أبي حنيفة، عن حَمَّاد، عن إبراهيم النَّخَعِيّ أنه قال: أربع يُخْفِيهنَّ الإمام: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وسبحانك اللهم وبحمدك، وآمين. وقال ابن عبد البرِّ: رُوِيَ عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من وجوه ليست بالقائمة أنه قال: «يُخْفي الإمام أربعاً: التعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وسبحانك اللهم وبحمدك، وآمين».