ولنا ما روى الطَّحاوي عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود». وأخرج أبو داود والتِّرْمِذِيّ عن وَكِيع بسنده إلى عبد الله (بن مسعود قال:)(١)«ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، ولم يرفع يديه إلاَّ أوَّل مرة. وفي لفظ: فكان يرفع يديه أول مرة ثم لا يعود. وكان هو لا يرفع يديه في شيء من الصلاة إلا في الافتتاح». وما رواه عن البَرَاء بن عَازِب قال:«كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر لافتتاح الصلاة، رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريباً من شحمتي أذنيه، ثم لا يعود». وأخرجه أبو داود عن شَرِيك، عن يزيد بن أبي زياد، وساقه بسنده ومعناه وفيه من الآثار. ما رواه الطَّحَاوي ثم البَيْهَقُي من حديث الحسن بن عَيَّاش بسنده إلى الأسود قال:«رأيت عمر بن الخطَّاب يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود. وقال: ورأيت إبراهيم والشَّعْبِيّ يفعلان ذلك».
قال الطَّحَاوِي: والحديث صحيح، فإن مداره على الحسن بن عَيَّاش، وهو ثقة حجّة، ذكر ذلك يحيى بن مَعِين وغيره. أفَتَرَى عمر بن الخطاب خَفِي عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع في الركوع والسجود، وعَلِمَ ذلك مَنْ دونه، ومَنْ هو معه يراه يفعل غير ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، ثم لا ينكر ذلك عليه؟ وهذا عندنا محال. وفِعلُ عمر هذا، وتَرْكُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه على ذلك، دليلٌ صحيح أن هذا هو الحق الذي لا ينبغي لأحد خلافه. انتهى.
وما رواه أيضاً عن أبي بكر النَّهْشَلِيّ: حدّثنا عاصم بن كُلَيْب، عن أبيه:«أنَّ علياً كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يرفع بعده». وهو أثر صحيح. ورواه الدَّارَقُطْنِيّ من حديث النَّهْشَلِيّ وجعل وقفه على عليّ صواباً، ورفعه وهماً. فَترْكُهُ الرفع فيما روى هؤلاء يدل على انتساخه. وما رواه عن مُجَاهِد: قال: «صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة». فَتَرْكه بعد رواية: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعله، لا يكون إلا بعد ما ثبت عنده انتساخ ما رأى أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعله.
فظهر بما رَوَيْنا من الطرفين: ثبوت كلٍ من الأمرَيْن عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم اختلف أصحابه في بقائه وعدمه. فآثرنا قول ابن مسعود ومن وافقه، لِمَا قد عُلِمَ أنه كان في
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوط، والصواب المثبت، لموافقته لما في سنن أبى داود ١/ ٤٧٧، كتاب الصلاة (٢)، باب من لم يذكر الرفع عندي الركوع (١١٦، ١١٧)، رقم (٧٤٨).