للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ يُكَبِّرُ ويَسْجدُ، فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ

===

الصلاة أقوال مباحة، وأفعال جائزة من جنس هذا الرفع، وقد عُلِمَ نسخها. فلا بد أن يكون هو مشمولاً به، كما رُوِي عن ابن الزُّبَيْر ما يدلّ عليه. كيف لا وقد ثبت ما يعارضه ثبوتاً لا مردَّ له بخلاف عدمه، فإنه لا يتطرق إليه احتمال عدم الشرعية، لأنه ليس من جنس ما عُهِدَ فيه ذلك، بل من جنس السكوت الذي هو طريق ما أُجْمِعَ على طلبه في الصلاة ـ أعني الخشوع ـ.

وعن إبراهيم: أنه ذكر عنده وَائِل بن حُجْر: «أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الركوع وعند السجود، فقال: أعرابيٌّ لم يُصَلِّ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاةً أُرى قبلها قط، أفهو أعلم من عبد الله بن مسعود وأصحابه؟ حَفِظَ، ولم يَحْفَظُوا». وفي رواية: وقد حدّثني من لا أحصي عن عبد الله: «أنه رفع يديه في بدء الصلاة فقط»، وحكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله عالم بشرائع الإسلام، وحدود الأحكام، مُتَفَقِّد لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ملازم له في إقامته وأسفاره في جميع الأيام، وقد صلّى معه ما لا يُحْصَى، فيكون الأخذ به عند التعارض أولى من إفراد مقابله من القول بسنية كلٍ من الأمرين، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومما يؤيد ما اختاره علماؤنا ما روى الطبرانيّ بسنده إلى ابن أبي ليلى عن الحَكَمِ، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُرْفَع الأيدي إلاَّ في سبع مواطن: حين يفتتح الصلاة، وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت، وحين يقوم إلى الصفا، وحين يقوم على المَرْوَة، وحين يقوم مع الناس عشية عَرَفة، وبجَمْعٍ (١) والمَقَامَيْن حين يرمي الجمرة». ومما استدل لنا حديث جابر بن سَمُرَة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْسٍ (٢) ؟ اسكنوا في الصلاة». رواه مسلم، ويفيد النسخ. وحمله البخاري على آخر الصلاة عند التسليم. قلنا: العبرة لعموم اللفظ لا بخصوص السبب. إلاَّ أن آخر الصلاة لا يُقَال له في الصلاة.

(ثُمَّ يُكَبِّرُ ويَسْجدُ) مُطْمَئِناً (فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ) لِمَا روى أصحاب «السنن» من حديث وَائِل قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه». وقال مالك بالعكس لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا سجد أحدكم فلا


(١) جَمْع: المُزْدَلِفة، وليلة جمع هي ليلة مزدلفة لأن الناس يجتمعون فيها. معجم لغة الفقهاء ص: ١٦٦.
(٢) شُمْس: جمع شَمُوس، وهو النُّفُور من الدَّوابِّ الذي لا يستقر لشَغَبه وحِدَّته. النهاية: ٢/ ٥٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>