للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَقْتَدِي المُتَوَضّىءُ بالمُتَيَمِّيم، والغَاسِلُ بالمَاسِحِ، والقَائِمُ بالقَاعِدِ،

===

(ويَقْتَدِي المُتَوَضّاءُ) بالهمزة وقد يبدل (بالمُتَيَمِّمِ) عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافاً لمحمد، لأن المتوضاء أقوى حالاً. وبناء الأقوى على الأضْعَف لا يجوز. ولهما ما روى أبو داود، والحاكم وقال: على شرط الشيخين، عن عمرو بن العاص قال: «احْتَلَمتُ في ليلة باردة وأنا في غزوة ذات السلاسل، فأشْفَقْتُ إن اغْتَسَلْتُ أنْ أهْلِكَ. فتيمّمت وصلّيت بأصحابي الصبح، ثم أخبرت النبيّ صلى الله عليه وسلم فضحك، ولم يقل شيئاً». وفي البخاري: «وأمَّ ابن عباس وهو متيمّم».

(و) يقتدي (الغَاسِلُ بالمَاسِحِ) لأنّ المسح كالغسل سواء كان على جبيرة أو خُفّ (والقَائِمُ بالقَاعِدِ) الذي يركع ويسجد، وبه قال مالك والشافعي. وقال محمد، وأحمد، وإسحاق: لا يقتدي القائم بالقاعد وهو القياس، لأن اقتداء القائم بالقاعد اقتداء كامل الحال بناقصها. ولِمَا في «الصحيحين» عن عائشة رَضِيَ الله عنها: «اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه ناس من أصحابه يَعُودُونَه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فصلَّوا بصلاته قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا فجلسوا. فلما انصرف قال: «إنما جُعِلَ الإِمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً».

ولنا أن هذا منسوخ بآخر فعله صلى الله عليه وسلم وإنما يؤخذ بالآخِر فالآخر من فعله عند التعارض، وهو ما في «الصحيحين» من حديث عائشة «أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر في مرضه الذي تُوُفِّيَ فيه أبا بكر رَضِيَ الله عنه أن يصلّي بالناس. فلمَّا دخل أبو بكر رَضِيَ الله عنه في الصلاة وجد صلى الله عليه وسلم في نفسه خِفَّة، فخرج يُهَادَى بين رجلين، ورِجْلَاهُ تَخُطَّان في الأرض. فجاء صلى الله عليه وسلم فجلس عن يسار أبي بكر رَضِيَ الله عنه. فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً. يقتدي أبو بكر الصديق بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويَقْتَدِي الناس بصلاة أبي بكر».

وليس معنى هذا الحديث أنَّ أبا بكر كان إماماً للناس، لأن الصلاة لا تصح بالإمامين، ولكن معناه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان الإمام، ولهذا وقف على يسار أبي بكر، وأبو بكر كان يُبَلِّغ الناس. فَسَّر ذلك الرواية الأخيرة في الصحيح وهي: «وأبو بكر يُسَمِّعُ الناس التكبير»، أي تكبير النبيّ صلى الله عليه وسلم وإذا كان الأمر كذلك فقوله: «فلما دخل أبو بكر في الصلاة» معناه: أراد دخوله، أو قاربه. وإلاَّ فَلَزِمَ قطع الصلاة بعد شروعها، أو الانتقال بالنيّة كما قال به الشافعيّ. لكن يُشْكِلُ بقول ابن عباس: «لَمَّا مَرِض رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، وأبو بكر يصلّي بالناس، فقرأ من حيث انتهى إليه أبو بكر رَضِيَ الله عنه». رواه

<<  <  ج: ص:  >  >>