(فإنْ فَعَلْنَ) أي صَلَّيْنَ جماعة (تَقِفُ الإِمَامُ) أي إمامهن (وَسْطَهُنَّ) ـ بسكون السين وتفتح ـ في صَفِّهِنَّ، ولا تتقدم عليهن. ويجوز تذكير يقف، بناء على لفظ الإمام، فإنه مصدر بمعنى المفعول، أي المُقْتَدَى به، ويَسْتَوي فيه المذكر والمؤنث، فاندفع قول الشارح: وهو بالمثناة الفوقية في أوّله، لأن فاعله الإمام، وهو مؤنث حقيقيّ. وقد روى عبد الرَّزَّاق، والدَّارَقُطْنِيّ عن رِبْطَة الحَنَفِيَّة:«أن عائشة رَضِيَ الله عنها أَمَّتهُنَّ، وقامت بينهن في صلاة مكتوبة». ولفظ الدَّارَقُطْنِيّ والبيْهَقِيّ:«فقامت بينهن وَسَطاً». قال النَّوَوَيّ في «الخُلَاصَة»: إسناده صحيح. وروى عبد الرَّزَّاق، والدَّارقُطْنِيّ، وصحّحه النَّوَوِيّ، عن حُجَيْرَة بنت حُصَين قالت:«أَمَّتْنَا أمّ سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا». قال في «شرح المَجْمَع»: فَعَلَتَا (١) كذلك حين كانت جماعتهنّ مُسْتَحبة، ثم نُسِخَ الاستحباب.
أقول: الأظهر أن الكراهة محمولة على ظهورهن وخروجهن، والجواز على تسترهن في بيوتهن.
(وكَحُضُور الشَّابَّةِ) أي وكما كُرِه حضور الشَّابة (كُلَّ جَمَاعَةٍ) لخوف الفتنة (والعَجُوزِ) أي وكحضور العجوز (الظُّهْرَ والعَصْرَ) بخلاف الفجر والمغرب والعشاء والعيدين، فإنه لا بأس عند أبي حنيفة بحضور العجوز لها. وعندهما: لا بأس بحضور العجوز للصلوات كلها لعدم الرغبة فيها. ولأبي حنيفة أنَّ قوة الشهوة تُوقِع في الفتنة، غير أن الفُسَّاق في الفجر والعشاء نائمون، وفي المغرب بالطعام مشغولون، وفي العيدين لسَعَة الجَبَّانَة عن النساء مُعْتَزِلُون، وكان هذا في زمانه رَضِيَ الله عنه، وأمَّا في زماننا فَكَثُرَ انتشار الفُسَّاق وقت المغرب والعشاء.
والمختار: منع العجوز عن حضور الجماعة في جميع الأوقات فضلاً عن الشَّابة. لِمَا روى البخاريّ عن يَحْيَى بن سعيد، عن عَمْرة، عن عائشة رَضِيَ الله عنها أنها قالت:«لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء، لَمَنَعَهُنَّ كما مُنِعَتْ نساء بني إسرائيل. قلت لعَمْرَة: أَوَمُنِعْنَ؟ قالت: نعم». وتقول عائشة ترفعه:«أيها الناس، انْهَوا نساءكم عن لُبْسِ الزينة والتَبَخْتُرِ في المساجد، فإن بني إسرائيل لم يُلْعَنُوا حتى لَبِسَ نساؤهم الزينة، وتَبَخْتَرْنَ في المساجد». رواه ابن عبد البَرّ في «التَمْهِيد».