للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ.

===

أفضل منه، كان هو الأوْلى. لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة حين خرج إلى غزوة تبوك، وهو يومئذٍ كان ضريراً. وقد نزل في حقه: {عَبَسَ وتَوَلَّى * أنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}.

وأمّا الجواز فلِمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عن مَكْحُول، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صَلُّوا خَلْفَ كل بَرَ وفَاجِرٍ، وصلّوا على كل بَرّ وفاجر، وجاهدوا مع كل بَرّ وفاجر». وفي رواية لأبي داود عن مَكْحُول، عن أبي هريرة مرفوعاً: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير بَرّاً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم بَرّاً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر». والحديث منقطع، ولم يُدْرِك مَكْحُول أبا هريرة، لكنَّه حُجَّةٌ عندنا (١) . وفي رواية: «سَيَلِيكُم مِنْ بعدي وُلَاةٌ: البَرُّ ببِرِّه، والفاجر بفجوره، فاسمعوا له، وأطيعوه فيما وافق الحق، وصلوا وراءهم. فإنْ أحسنوا، فلكم ولهم، وإنْ أساؤا فلكم وعليهم».

ثم صاحب الهوى: إنْ كان هواه يُكَفِّرُه، لا تَجوز الصلاة خلفه. وإنْ كان لا يُكَفِّرُه يجوز، ويكره. كذا في «المحيط». ورَوَى محمد عن أبي حنيفة، وأبي يوسف: أنَّ الصلاة خلف أهل الأهواء لا تَجوز. وَوُجِدَ بخط شمس الأئمة الحَلْوَانِيّ: أنه يُمْنَع عن الصلاة خلف من يخوض في علم الكلام، ويناظر صاحب الأهواء. وكأنه بناه على ما رُوِيَ عن أبي يوسف أنه قال: لا يجوز الاقتداء بالمُتَكَلِّمِ وإنْ تكلَّم بحق. قال الهِنْدُوَانِيّ: يجوز أنْ يكون مراده من يناظر في دقائق علم الكلام. وبناه في «المُجْتَبَى» على ما نُقِل عن أبي حنيفة حين رأى ابنه حَمَّاداً يناظر في علم الكلام، فنهاه فقال: رَأَيْتُك تناظر في الكلام وتنهاني فقال: كنا نناظر وكأنَّ على رؤسنا الطير مخافة أنْ يَزِلَّ صاحبه، وأنتم تناظرون وتريدون زَلَّة صاحبكم. ومن أراد زَلَّة صاحبه، فقد أراد أنْ يَكْفُر، فهو قد كَفَر قبل صاحبه. فهذا هو الخوض المنهيّ عنه. وهذا المُتَكَلِّم لا يجوز الاقتداء به.

(كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَحْدهُنَّ) أي كما كُرِه جماعة النساء بالإمام منهن، لأن اجتماعهن قَلَّمَا يَخْلُو عن فتنة بهن. ولِمَا رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم «بيوتهنّ خير لهنّ لو يَعْلَمْنَ» (٢) ، وبه قال مالك خِلَافاً للشافعيّ.


(١) مراسيل القرون الأولى، انظر مقدمة في علوم الحديث.
(٢) رواه أبو داود في سننه ١/ ٣٨٢، كتاب الصلاة (٢)، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (٥٢)، رقم (٥٦٧)، بلفظ: "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن". اهـ. ولم يأت بقوله: "لو يعلمن"!

<<  <  ج: ص:  >  >>