فإنْ أَمَّ عَبْدٌ، أَو أَعْرَابِيٌّ، أو فَاسِقٌ، أو أعْمَى، أو مُبْتَدِعٌ، أو وَلَدُ زِنًا: كُرِهَ.
===
ثم أَقِيمَا، ثُمَّ ليَؤُمَّكُمَا أكبركما».
وأُجِيبَ: بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه. واعْتُرِضَ: بأن قوله: فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنّة، تقتضي تقديم الأقرأ مُطْلقاً. وأُجيبَ: بأنه إذا كان الأقرأ لكتاب الله أعلم بأحكامه، كان معنى الحديث: يَؤُمُّ القوم أعلمهم بأحكام كتاب الله، فإن كانوا في ذلك سواء، فأعلمهم بالسُّنَّة: أي بالأحكام الثابتة بها.
فَيَتَحَصَّلُ أن القاراء المُفَسِّرَ مُقدَّمٌ على المُحَدِّثِ. ثم لَمَّا كانت الهجرة بعد الفتح منسوخة لقوله صلى الله عليه وسلم «لا هجرة بعد الفتح» أي بعد فتح مكة، كما رواه البخاريّ، أقَمْنَا الوَرَع مُقَامها لقوله صلى الله عليه وسلم «المهاجر من هجر ما حَرَّم الله ورسوله». رواه البخاريّ وغيره.
والحاصل أنه إنما قَدَّم الأَقرأ في الحديث، لأنهم كانوا يَتَعَلَّمُون القرآن في ذلك الوقت بأحكامه، كما رُوِيَ عن عمر:«حَفِظَ سورة البقرة في اثنتيْ عشرة سنة». فالأَقرأ منهم يكون أعلم. وأمَّا في زماننا فقد يكون الرجل ماهراً بالقراءة، ولا حَظَّ له في معرفة الأحكام، فالأعلم بالسُّنَّة أوْلى إلاَّ أنْ يُطْعَنَ عليه في دينه، لأن الناس لا يَرْغَبُون في الاقتداء به. وقد ورد عن ابن عمر مرفوعاً:«اجعلوا أئمتكم خِيَارَكم، فإنهم وَفْدُكم فيما بينكم وبين ربكم». رواه البَيْهَقِيّ بسند ضعيف. وفي رواية:«إنْ سَرَّكم أنْ تُقْبَلَ صلاتكم فَلْيَؤُمّكُم علماؤكم، فإنهم وَفْدُكم فيما بينكم وبين ربكم». رواه الطَبَرَانِيّ. وفي رواية الحاكم:«فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكم». وسكت عنه.
وأمَّا قول صاحب «الهِدَاية»: لقوله صلى الله عليه وسلم «من صَلَّى خلف عالم تَقِيّ، فكأنما صَلّى خلف نبيّ». فغير معروف.
(فإِنْ أَمَّ عَبْدٌ أَوْ أَعْرَابِيٌّ) وهو: مَنْ سَكَنَ في البادية عربياً كان أو عَجَمِيّاً، (أو فَاسِقٌ أو أعْمَى) كان حقّه أنْ يُقَدَّم أو يُؤَخَّر. وقال مالك: لا تَصِحُّ إمامة الفاسق. (أو مُبْتَدِعٌ) أي صاحب بدعة وهي: ما أُحْدِث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم، أو عَمَلٍ أو حال، أو صفةٍ بنوع استحسان، وطريق شُبْهَةٍ، وجُعِلَ دِيناً قِيَماً، وصِرَاطاً مستقيماً. (أو وَلَدُ زِنَاً كُرِهَ) وجاز.
أمّا كراهة إمامة العبد والأعرابيّ وولد الزِّنا، فلأنّ الغالب عليهم الجهل. والفاسق والمبتدع في إمامتهما تعظيمُهما، وقد أمرنا بإهانتهما. والأعمى لجهله باستقبال القِبْلَة، وتَعَسُّر تَمَكُّنه من التَوَقِّي عن النجاسة كما ينبغي، حتى لو لم يكن غيره من البُصَرَاءِ