للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ الأَقْرَأُ، ثُمَّ الأَوْرَعُ، ثُمَّ الأَسَنُّ.

===

الأنصار: أُبيّ بن كَعْب، ومُعَاذ بن جَبَل، وزيد بن ثابت، وأبو زَيْد». فهؤلاء أكثر قراءة منه رَضِيَ الله عنه. وحتى قال صلى الله عليه وسلم «أقرؤكم أُبيّ»، لَكِنْ لَمَّا كان الصِّدِّيقُ مُشْتَرِكاً مع غيره في ضبط القراءة وحسن أدائها، قُدِّمَ عليهم.

فدل على أنه إذا تعارض الأقرأ والأعلم، يُقَدَّمُ الأعلم. لا سيما وقد كان مع هذا أوْرَعَ، وأَسَنَّ، وأسْبَقَ، فكان بها أَوْلَى، وأحَقَّ. ويدل على كونه أعلم قول أبي سعيد: «كان أبو بكر رَضِيَ الله عنه أعْلَمنا». وهذا آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون هو المُعَوَّل. والله تعالى أعلم. إلا أنَّ قصد الإشارة إلى الاستخلاف ربما تكون مُخَصَّصَة على أنها واقعة حال، وهي لا عموم لها. ومن ثَمَّ اختار جمع من المشايخ قول أبي يوسف (١) .

(ثُمَّ الأَقْرَأُ) أي الأَكْثَرُ حِفْظاً أَوْ الأَحْسَنُ ضَبْطاً (ثُمَّ الأَوْرَعُ)، والفرق بين الوَرَعِ والتَّقْوَى: أنَّ الوَرَعَ: اجتناب الشُّبُهَات. والتَّقْوى: اجتناب المُحَرَّمات. (ثُمَّ الأَسَنُّ) أي أكبر سنّاً، أو الأَسْبَقُ في الإسلام، ثُمَّ الأَحسن خُلُقاً، ثم الأَشْرَفُ نَسَباً، ثم الأَصْبَحُ وَجْهاً، ثم الأَحْسَنُ صَوْتاً، ثم الأَنْقَى ثَوْباً، ثم يُقْرَعُ بينهم، أو يُخَيَّرُ القوم، أي خيارُهُم. وورد: «ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شِبْراً: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون … »، الحديث. رواه ابن ماجه عن ابن عباس رَضِيَ الله عنه. وفي «الخُلَاصَة»: رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون». إذا كانت الكراهة لفسادٍ فيه، أو لأنهم أحق بالإمامة، يُكْرَه له ذلك. وإن كان هو أحَقَّ بالإمامة، لا يُكْرَه.

وقال أبو يوسف: أوْلَى الناس بالإمامة الأقرأ. لِمَا رواه الجماعة إلاَّ البخاري، واللفظ لمسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يَؤُمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السُّنَّة سواء فأقدَمُهُم هجرة، فإنْ كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِنّاً. ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يَقْعُد في بيته على تَكْرِمَتِهِ (٢) إلا بإذنه». وفي رواية: «سَلَماً» مكان: «سِنّاً». وفي رواية: «إسلاماً» مكان: «سَلماً». رواه الحاكم وقال عوض: «فأعلمهم بالسنة»: «فأفقههم فِقْهاً»، و «إنْ كانوا في الفقه سواء، فأكبرهم سِنّاً». وهي لفظة غريبة وإسنادها صحيح. وروى مسلم: «وليَؤُمّكُما أكْبركما». وروى أبو داود عن أبي قِلَابَة، عن مالك بن الحُوَيْرِث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له، أو لصاحب له: «إذا حضرت الصلاة فأذِّنَا،


(١) وهو أن أوْلى الناس بالإِمامة هو الأَقرأ، وسيأتي قريبًا مع أدلَته.
(٢) التَّكْرِمة: الموضع الخاص لجلوس الرجل من فِراش أو سرير مما يُعَدُّ لإكرامه. النهاية: ٤/ ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>