للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وما اسْتُكْرِهُوا عليه». رواه ابن ماجه، (وابن حِبّان) (١) ، والحاكم. وقال: صحيح على شرطهما. والمراد وضع الحكم إذ هما يوجدان حسّاً والخُلْف في خَبَرِهِ محال. والحكم نوعان: حكم الدنيا: وهو الفساد، وحكم العُقْبَى: وهو الإثم. ومُسَمَّى الحكم يشملهما، فيتناولهما.

ولنا: ما رواه مسلم من حديث مُعَاوِيَة بن الحَكَم السُّلَمِيّ قال: «بينما أنا أُصَلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عَطَس رجل من القوم، فقلت له: يَرْحَمُك الله. فَرَمَاني القوم بأبصارهم، فقلت: وَاثُكْلَ (٢) أمّاه، ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفْخَاذِهم. فَلَمَّا رَأَيْتُهم يُصَمِّتُونَنِي. سَكَتُّ، فَلَمَّا صلّى النبيّ صلى الله عليه وسلم دعاني. فبأبي هو وأمِّي ما رأيت مُعَلِّمَاً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. فوالله ما ضَرَبَني ولا شَتَمَنِي، ثم قال: «إن هذه الصلاة لا يَصْلُح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي وفي رواية: إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن». وفي لفظ الطبَرانِيّ في «معجمه»: «إنَّ صلاتنا لا يَحِلُّ فيها شيء من كلام الناس». وما لا يَصْلُح ولا يَحِلُّ في صلاة فمباشرته تفسدها. ويَعْضُدُه قوله صلى الله عليه وسلم «الكلام يَنْقُضُ الصلاة، ولا ينقض الوضوء». رواه الدَّارَقُطْنِيّ.

فإن قيل: الكلام الواقع من معاوية عَمْد، ومطلوبكم الكلام مطلقاً يفسد الصلاة. أُجِيبَ: بأن العبرة لعموم اللفظ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم «إنَّ هذه الصلاة لا يَصْلُحُ فيها شيء من كلام الناس». لا لخصوص سببه ـ وهو الكلام العمد ـ لأن الذي يُسْتَدَلُّ به على الحكم هو اللفظ لا السبب. وحديث ذي اليَدَيْن منسوخ بما رَوَيْنا (٣) . ألَا ترى أنَّ حديث ذي اليدين وقع فيه كلام كثير عمداً. وأمّا حديث: «(ن الله تعالى وضع». فالإجماع على أنّ رفع الإثم مراد، فلا يُرَاد غيره وإلاّ لَزِم تعميمه. وفي «المحيط»: «لو


(١) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط.
(٢) وَاثُكْلَ: الثُّكل: فَقْد الوَلَد. كأنه دعا على نفسه بالموت لسوء فعله أو قوله. النهاية: ١/ ٢١٧.
(٣) وقصة حديث ذي اليدين كما جاءت في صحيح مسلم ١/ ٤٠٣، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥)، باب السهو في الصلاة والسجود له (١٩)، رقم (٩٧ - ٥٧٣). عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العَشِيِّ وإمَا الظهر وإمّا العصر، فسلم في ركعتين، ثم أتى جِذْعًا في قِبلة المسجد فاستند إليها مُغْضَبًا، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلّما. وخرج سَرَعَان الناس، قُصِرَت الصلاة، فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله! أَقُصِرَت الصلاة أم نسيتَ؟ فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - يمينًا وشمالًا فقال: "ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: صدق. لم تُصَلّ إلا ركعتين. فصلّى ركعتين وسلّم، ثم كبَّر ثم سجد، ثم كبَّر فرفع، ثم كبَّر وسجد، ثم كبَّر ورفع انتهى. ومعنى قوله: "خرج سرعانُ الناسِ قصرت الصلاة": أي خرج الناس سراعًا يقولون: قصرت الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>