للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسَّلامُ عَمْدًا وَرَدُّه

===

عَطَسَ، أو تَجَشَّأَ فحصل منه كلام ـ أي لغوياً ـ لا تفسد لتعذّر الاحتراز عنه. وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم «أُفَ، ألم تَعِدْني أنْ لا تُعَذِّبَهم وأنا فيهم؟» (١) فواقعة حال لا عموم لها.

فيجوز كونها قبل تحريم الكلام في الصلاة فلا يُعَارِضُها قوله صلى الله عليه وسلم «إنَّ صلاتنا هذه» الحديث. وقوله: «فأُمِرْنا بالسكوت، ونُهِينَا عن الكلام» (٢) . ونحوه من الأحاديث. كذا ذكره بعض علمائنا. وفيه بحث إذ جملة كلامه مضمون كلام الله سبحانه ومبناه على معناه وهو: قوله تعالى: {وما كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهم وأَنْتَ فِيهِمْ} (٣) فهذا دعاؤه ومناجاته طِبْق الآيات القرآنية، والواردات الفرقانية. وقد جاء أُفَ في القرآن، فليست من الكلمات الأجنبية.

(و) يفسدها (السَّلَامُ) أي للصلاة إذ السلام على إنسان مفسد، عَمْداً كان أو خطأً، نص عليه في «المحيط»، وقاضيخان. وفي «الخُلَاصة»: لو أراد السلام على إنسان فقال: السلام، فَتَنَبَّهَ وسكت فسدت صلاته. (عَمْداً) قيد به لأن السلام سَهْواً غير مُفْسِد، وذلك أنَّ السلام ذِكْر مشتمل على خطاب، فاعْتُبِرَ في حالة العَمْدِ بكونه خطاباً للناس، فأفسد الصلاة، وفي غير حالة العمد بكونه ذِكْراً، فَجُعِلَ عَفْواً. وتوضيحه: أن السلام من أذكار الصلاة، إذ المُتَشَهِّدُ يُسَلِّمُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله الصالحين، وهو من أسمائه تعالى، وإنما أَخَذَ حكمَ الكلام بكاف الخطاب، وإنما يتحقق معنى الخطاب فيه عند القصد، فاعتبرناه ذِكْراً عند النسيان، وكلاماً عند التعمد عَمَلاً بالشبهين. وقيل: إنْ كان على ظن أنَّ الصلاة تامة فغير مُفْسِد، وإنْ كان ناسياً للصلاة فَمُفْسِد.

(وَرَدُّه) أي رد السلام بلسانه عمداً كان، أو سهواً، لأنَّ رد السلام ـ سواء قال: عليك السلام، أو السلام عليك ـ ليس من الأذكار، بل هو كلام وخِطَاب، والكلام مُفْسِدٌ عَمْداً كان أو سَهْواً.

وفي «الظَهِيرَيَّة»: ولو سلم إنسان على مُصَلَ، فأشار إلى رد السلام برأسه (أو


(١) أخرجه أبو داود في سننه ١/ ٧٠٤، كتاب صلاة الاستسقاء (٣)، باب من قال يركع ركعتين (٩)، رقم (١١٩٤).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه ١/ ٣٨٣، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥)، باب تحريم الكلام .. (٧)، رقم (٣٥١ - ٥٣٩).
(٣) سورة الأنفال، الآية: (٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>