للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاعِلِها شجرةً أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء. والصلاةُ والسلامُ على رسولِهِ محمدٍ أفضلِ الرُّسُل والأنبياء، وعلى آله

===

قوله تعالى: {يَرفَعِ اللهُ الذِين آمنوا مِنْكم والذين أُوتُوا العلمَ درجاتٍ} (١). وفيما بعده إيماءٌ إلى حدِيث: «بُعِثْتُ بالحنيفية السَّمْحَاءِ» (٢)، ولا يبعُد أن يراد بالأَعلام ما يدل على الأحكام من الكتاب، والسُّنَّةِ، وإجماعِ الأُمَّة، والقياسِ: الأدلَّة، أو ما يَدُلُّ على ترويجها كالأذان والجماعَة. ورفعُها إظهارُها.

(جاعلها) أي مُصيِّر الشريعة أو أعلامِها. والمرادُ قواعدُ أصولِ الفقه وأحكامُها (شجرةً) أي كجشرةٍ عظيمة، لها ثمرة وَسِيمة (أصلها ثابت) أي في أرضِ قلوبِ العلماء (وفرعها) أي أعلاها، أو غُصْنُها أو نتيجَتُها (في السماء) أي في سَماءِ الرِّفعةِ والعلاء، وفيه اقتباسٌ لطيف، وتضمين شريف لقوله تعالى: {ألَمْ تَرَ كيف ضَرَبَ اللهُ مثلاً كلمةً طيِّبةً كشجرةٍ طيبة} (٣) الآيةَ.

وقد وَرَد عن عبد الله بن عُمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنَّ مِنْ الشَّجَرِ شجرةً لا يَسْقُطُ وَرَقُها، وإنها مِثْلُ المُسْلمِ، فحدِّثُوني ما هي»؟ قال عبدُ الله: فوقَعَ الناسُ في شجر البوادي، ووقَعَ في نفسي أنها النخلة، فاستَحْيَيْتُ، ثم قالوا: حَدِّثْنَا ما هي يا رسولَ الله؟ قال: «هي النخلةُ» قال عبد الله: فذكرتُ ذلك لعمر فقال: لأن تكون قلتَ: هي النخلةُ أحبُّ إليَّ مِنْ كذا وكذا». والمرادُ بأصلها الدلائلُ القطعية، وبفرعها المسائلُ الظَّنِّية.

(والصلاةُ) وهي: أفضلُ الثناء (والسلامُ) هو: أكمل الدعاء (على رسوله) أي المُجتَبَى من الأصفياء (محمدٍ أفضل الرُّسُلِ والأنبياء). والأنبياءُ أفضلُ من الملائكة عند أكثر العلماء، فهو أَفضلُ أهل الأرض والسماء. والصحيحُ أن النبيَّ إنسانٌ أُوحِيَ إليه، سواء أُمِرَ بالتبلِيغ أَوْ لا، والرسولُ من أُمِرَ بتبليغه.

(وعلى آله) أي أَهلِ بيته وأَقاربه، أَوْ جميع أُمَّته، لِمَا روى تمَّام في «فوائده» أَنه قيل: مَنْ آلُك يا رسول الله؟ قال: «آلي كلُّ تقيّ إلى يوم القيامة» (٤). والتقوى لها


(١) سورة المجادلة، الآية: (١١).
(٢) أخرجه الخطيب عن جابر رضي الله عنه بلفظ: "الحنيفية السمحة"، والديلمي عن عائشة رضي الله عنها بلفظ: "إني بعثت … "، وأحمد في مسنده بسند حسن. انظر كشف الخفاء ١/ ٢١٧، وفيض القدير ٣/ ٢٠٣.
(٣) سورة إبراهيم، الآية: (٢٤).
(٤) خلاصة ما قيل فيه: إن أسانيده ضعيفة، ولكن شواهده كثيرة، توصله لدرجة الحسن لغيره. انظر كشف الخفاء ١/ ١٨ - ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>