للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحابه نُجُومِ الاقْتِدَاء والاهْتِدَاءِ.

وبعد، فإنَّ العبدَ المتوسِّلَ إِلى الله تعالى بأقوى الذَّرِيعَة: عُبَيدَ الله بن مسعود بن تاج الشريعة - سَعِدَ جَدُّه، ............

===

مراتبُ أدناها الاجتنابُ من الشرك بالله، وأعلاها من ملاحظةِ ما سِواه.

(وأصحابِه) أي كلِّ مَنْ لقِيَه وآمَنَ به وماتَ عليه (نجوم الاقتداء والاهتداء) وفيه تلميحٌ إلى أنَّ أنوارَ عُلومِهم وأسرار فُهومِهم، مقتبسةٌ مِنْ مِشكاةِ صَدْرِ أربابِ النُّبُوَّة، الموصوف بكونه {سراجاً منيراً} (١) المرادِ به شمسُ سماءِ الرِّفْعَة والعَلاء، كما أنَّ أنوار الكواكب مستفادةٌ من ضياءِ شمسِ السماءِ، كما أشار إليه شارح متن «الحِكَم». وفيه أيضاً إيماءٌ إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «أصحابي كالنُّجومِ بَأيِّهم اقتديتُم اهتديتم» (٢)، وفيه تنبيهٌ نبيهٌ على تقديم الحَسَب على النَّسَب.

(وبعدُ) مبنيّ على الضم لِقَطْعِه عن الإِضافة، أي بعدَ البسملة والحمدلةِ والتَّصْلِيَة (فإنَّ العبدَ) الفاءُ لتوهم تحرير أمَّا، أو تقريره بتقدير، أو لدفعِ تجويز إضافةِ بعدُ إلى ما بعده، وقيل: الواوُ قائمة مقام أمَّا. (المتوسِّلَ) أي طالب الوسيلة إلى مقام القُربة والوُصْلة. وفي بعض النسخ: يقول العبدُ المتوسِّل (إِلى الله تعالى) شأنُه، وتعظَّم بُرهانُه (بأقوى الذريعة) أي بأعظم أنواع الوسيلة الشريفة، إلى وصولِ الدرجات المُنِيفة، ومنه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وابتغوا إليه الوسيلة} (٣).

(عبيد الله) عطفُ بيان للعبد. فعلى النسخة الأولى منصوب، وعلى الثانية مرفوع (بن مسعود بن تاج الشريعة، سَعِدَ) بفتح فكسر، أو بصيغة المفعول، وبهما قُراء قوله تعالى: {وأمَّا الذين سَعِدُوا} (٤). (جَدُّه) بفتح الجيم، أي حَظُّه، ومنه حديثُ: «ولا يَنفعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ (٥)»، وفُسِّر بِأبي الأمّ والأبّ، وعُلوِّ النسب أيضاً. فيكون في العبارة تورية، وهي: أن يُؤتى بكلمة لها معنيانِ، أحدُهما قريبٌ متبادر إلى الذهن، والآخَرُ بعيد، ويُراد به الأخير.


(١) سورة الأحزاب، آية: (٤٦).
(٢) رواه البيهقي في "الاعتقاد" ص ١٧١. وقال اللَّكنَوي في "تحفة الأخيار" ص ٥٣: وقد طال كلامهم على هذا الحديث تضعيفًا وجرحًا حتى ظن بعضهم أنه موضوع، وليس كذلك، نعم طُرق روايته ضعيفة، ولا يلزم منه وضعها، بل قد حسَّنه الصَّغَاني. انتهى باختصار.
(٣) سورة المائدة: آية: (٣٥)
(٤) سورة هود، آية: (١٠٨). قرأ حفص والأَخَوَان: (حمزة والكسائي)، وخَلَف بضمِّ السين، وقرأ الباقون بفتحها. "البدور الزاهرة" ص ١٥٩.
(٥) أخرجه البخاري (فتح الباري) ٢/ ٣٢٥، كتاب الأذان (١٠)، باب الذكر بعد الصلاة (١٥٥)، حديث رقم (٨٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>