للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكُرِهَ قَاعِدًا بَقَاءً، وإنْ افْتَتَحَ رَاكِبًا ونَزَلَ بَنَى، وبِعَكْسِهِ فَسَدَ.

===

مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً».

(وكُرِهَ) التنفُّل (قَاعِدَاً بَقَاءً (١) ) بأن يُحْرم قائماً، ثم يقعد. وقال أبو يوسف، ومحمد: لا يجوز، لأن الشروع ملزم لأنْ يأتي على صفة شرع فيها، أو بأكمل منها، فأشبه النذر قائماً. ولأبي حنيفة: أنّ البقاء أسهل من الابتداء، وقد جاز ترك القيام في ابتداء النفل، فيجوز في أثنائه. وفي «المحيط»: رجل صلَّى التطوّع قاعداً، وإذا أراد الركوع قام فركع، فالأفضل أن يقوم ويقرأ شيئاً، ثم يركع ليكون موافقاً للسنة. وهي ما روى البخاري عن عائشة رَضِيَ الله عنها قالت: «ما رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً، حتى إذا كَبِرَ قرأ جالساً، فإذا بَقِيَ عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية، قام فقرأهن ثم يركع». ولو لم يقرأ واستوى قائماً وركع أجزأه. وإن لم يستوِ قائماً وركع لم يجزه، لأن ذلك لا يكون ركوعَ قائم، ولا ركوعَ قاعد.

(وإنْ افْتَتَحَ) النفل (رَاكِبَاً ونَزَلَ) بعملٍ قليلٍ بأن ثنى رجله فانحدر من الجانب الآخر (بَنَى) في ظاهر الرواية عنهم. وعن أبي يوسف: أنه يَسْتَقْبِل (وبِعَكْسِهِ) وهو أن يفتتح النفل نازلاً ثم يركب (فَسَدَ). ووجه الفرق: أن الأول أدَّىَ أكمل مما وجب عليه، لأن تحريمته غير موجبة للركوع والسجود. والثاني أدَّى أنقص مما وجب عليه، لأن تحريمته موجبة للركوع والسجود. وأجاز علماؤنا لمن نذر قُرْبة في مكان شريف أداءها فيما دونه شرفاً. ولم يتعين ذلك المكان عنده، وعَيَّنَه مالك والشافعي وزُفَر لظاهر قوله تعالى: {وأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذا عَاهَدْتُمْ} (٢) ، فيجب أنْ يأتي بما نَطَقَ به.

هذا، وقول صاحب «الهداية»: قوله صلى الله عليه وسلم «لا يُصَلَّى بعد صلاة مثلها». غير معروف مرفوعاً. نعم رواه ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» من ثلاث طرق موقوفاً على عمر.

ففي الطريق الأول: أنه قال: «لا يُصَلَّى بعد صلاة مثلها».

وفي الطريق الثاني: «كان يَكْرَهُ أن يُصَلَّى خلف صلاة مثلها».

وفي الطريق الثالث: «كان يَكْرَه أن يُصَلَّى بعد المكتوبة مثلها».

ورواه أيضاً موقوفاً على ابن مسعود من طريق آخر بنحو كلام عمر. فقيل في


(١) في المخطوط: بناء، والمثبت من المطبوع.
(٢) سورة النحل، الآية: (٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>