للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَاعِدًا مَعْ قدْرَةِ قِيَامِهِ.

===

مذهب الشافعي، وفي رواية عن أحمد: يجوز التنفل في المصر أيضاً على الدابة، لما رُوِي: «أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَكِب الحمار في المدينة يَعُودُ سَعْدَ بن عُبَادة، وكان يُصَلِّي وهو راكب». وفي «الصحيحين» عن عَامِر بن رَبِيعَة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يُسَبِّحُ يُومِاء برأسه قِبَل أيِّ وجْهٍ تَوَجَّه، لم يكن يصنع ذلك في المكتوبة».

والسنن الرواتب نوافل، وعن أبي حنيفة: ينزل الراكب لسنة الفجر لأنها آكَد. وعنه: أنها واجبة. وإنما خُصَّ التنفل، لأن أداء الفريضة على الدابة لا يصح إلاَّ لعذر: بأن خاف زيادة المرض، أو سَبُعاً، أو عدواً، أو كانت الدابة جموحاً، أو كان الطين والوحل بحال يغيب فيه وجهه. ثم هذا إذا كانت الدابة تسير بنفسها. وإنْ كانت تسير بتسيير صاحبها، فالفريضة لا تجوز. كما لا يجوز التطوع، ولا يجوز أيضاً الوتر على الدابة، ولا المنذور، ولا قضاء النفل الذي أُفْسِدَ، ولا صلاة الجنازة، ولا السجدة التي تُلِيَتْ على الأرض. ثم لا فرق بين أنْ يكون في موضع جلوسه، أو في رِكَابَيْهِ (١) نجاسة أو لا عند عامة المشايخ للضرورة. وقال أبو حفص الكبير، ومحمد بن مُقَاتِل: إذا كانت أكثر من قدر الدرهم لا تجوز الصلاة، اعتباراً لها بالتي على الأرض.

(و) يتنفل (قَاعِداً) فعن أبي حنيفة إن شاء محتبياً، وإن شاء متربّعاً، وإن شاء كالتشهد. وعن أبي يوسف: محتبياً، لأن عامة صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في آخر عمره كانت بالاحتباء. كذا في «مواهب الرحمن» من غير عزو، ولم أره في غيره. وعن محمد: متربعاً، لأنه أعدل. وعن زُفَر ـ وهو المختار ـ كالتشهد، لأنه القعود المعهود في الصلاة.

(مَعْ قُدْرَةِ قِيَامِهِ)، لما روى الجماعة إلاَّ مسلماً عن عِمْرَان بن حُصَيْن قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً، فقال: من صلّى قائماً فهو أفضل، ومن صلّى قاعداً، فله نصف أجر القائم، ومن صلّى نائماً، أو مُضْطَجِعَاً فله نصف أجر القاعد». وروى مسلم عن ابن عمر مرفوعاً: «صلاة الرجل قاعداً نصف صلاة القائم». وهذا في صلاة النافلة، لأن صلاة الفرض لا يجوز فيه القعود مع القدرة على القيام بالإجماع، ولأن ثواب القاعد في الفرض للعجز لا ينقص عن ثواب القائم، لما روى البخاري عن أبي موسى (٢) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له


(١) رَكَابَيْه: الرِّكَاب للسَّرْج: ما توضع فيه الرِّجْل. المعجم الوسيط. ص: ٣٦٨، مادة (ركب).
(٢) في المطبوع: أبي يوسف، والمثبت من المخطوط وهو الصواب، لموافقته لما رواه البخاري في صحيحه (فتح الباري) ٦/ ١٣٦، كتاب الجهاد (٥٦)، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة (١٣٤)، رقم (٢٩٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>