وأما ما في «الموطأ» عن السائب بن يزيد قال: «أمر عمر أُبَيّ بن كعب وتميماً الدَّاري أنْ يقوما للناس في رمضان بإحدى عشر ركعة، فكان القاراء يقرأ بالمئتين حتى كنّا نعتمد على العصا من طول القيام، فما كنّا ننصرف إلاّ بزوغ الفجر». فكأنه بناء على ما رَوَيْنَا في الوتر:«من أنه صلى الله عليه وسلم قام بهم في رمضان فصلّى ثمان ركعات وأوتر، ثم انتظروه من القابلة، فلم يخرج إليهم، فسألوه فقال: خَشيت أن يُكْتَبَ عليكم الوتر». أي مطلقاً أو في رمضان. وجُمِع بينهما بأنَّ الأقل وقع أولاً ثم استقر الأمر على العشرين. فإنه المتوارث بناء على ما تقدَّم ـ والله أعلم ـ فصار إجماعاً. لما روى البيهقي بإسناد صحيح:«أنهم كانوا يقيمون على عهد عمر بعشرين ركعة، وعلى عهد عثمان وعليّ رَضِيَ الله عنهم». وعند مالك:«ست وثلاثون». وجُمِع بين قوله وقول غيره: بأن عشرين كانت أول الليل، وست عشر آخره، كما عليه عمل أهل المدينة.
ووقتها بعد صلاة العشاء (قَبْلَ الوِتْرِ أوْ بَعْدَهُ) إلى طلوع الفجر وهو الأصح، لأنها تَبَعٌ للعشاء دون الوتر. حتى لو ظهر أنَّ العشاء صُلِّيَتْ بلا طهارة، والتراويح صليت بطهارة أُعِيدَتْ التراويح مع العشاء. وقيل: بعد العشاء قبل الوتر، وهو قول عامة المشايخ، كذا في «الهداية». وقيل: قبل العشاء وبعده، لأنها قيام الليل وهو الأظهر. إلاَّ أن تأخير الوتر أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وِتراً»(١) .
(عَلى كُلِّ تَرْوِيحَةٍ) أي أربع ركعات. وقيل: خمس تسليمات (جَلْسَةٌ بِقَدَرِهَا) لتوارث ذلك من السلف، وكذا قبل الوتر. هكذا رُوِيَ عن أبي حنيفة: لأنها إنما سمّيت بالترويحة للاستراحة. فيفعل ذلك تحقيقاً لمعنى الاسم. ثم إن أهل مكة تطوف سبعاً بين كل ترويحتين، كما حُكِيَ عن مالك. وأهل المدينة يصلون فُرَادَى أربعاً بدل ذلك. وأهل كل بلدة بالخيار: يسبحون، أو يهللون، أو ينتظرون سكوتاً، أو يصلون فُرَادَى.
(وسُنَّ الخَتْمُ) أي ختم القرآن على الأصح وهو قول الأكثر (مرَّةً) في صلاة التراويح. لأن شهر رمضان أنزل فيه القرآن. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُه فيه على جبرائيل كل سنة مرة، وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين. وقال بعضهم: يَقْرأ في كل رَكعة ثلاثين آية لأنَّ عمر أمر بذلك، فيقع الخَتم ثلاث مرات، لأنَّ كل عُشْرٍ مخصوص بفضيلة